الانتخابات الحالية ليست كأي انتخابات مضت.
قد يصح فيها أو عليها وصف “انتخابات الباءات الثلاثة”، فهي انتخابات “باردة”، “باهتة”، “باصجة”.
قد لا يكون لذلك علاقة بالضرورة بالمرشحين، فمنهم من هو محترم، ومنهم من هو دون ذلك، ومنهم شباب واعد يدعو للأمل، ومنهم من هو مصر على الاستمرار للأبد. ولكن “البرودة” و”البصاجة” قد تعود إلى إحساس غامر بعدم الثقة، بفعالية النظام السياسي، وهي نتاج ممارسة مختلة ركيكة هزيلة، وحالة انحسار للرأي وزيادة سرطانية لخلايا الفساد، وأن موازين القوى محسومة سلفاً، وأن الصراع بين أصحاب النفوذ صار معلناً، لدرجة أن عدد المرشحين بالوكالة، وغير ذلك من الانتماءات، قد زاد بشكل ملحوظ.
ولربما انعكس ذلك على الشعارات الانتخابية، فهي أكثر انتخابات تختصر فيها شعارات المرشحين إلى كلمة أو كلمتين، غلب عليها طابع التمني الرومانسي، غير المفهوم، فالوطن جميل، والدنيا حالمة و”الأشيا معدن” وكل الأطيار تنطلق للتغريد. حتى صار بالإمكان تجميع شعارات المرشحين على بعضها لتؤلف قصة قصيرة دون عناء، وهي قصة لن تكون نهايتها مشرقة بالتأكيد.
القضايا في الانتخابات غائبة، وتصبح أكثرها إثارة مهاجمة مرشح لمرشح آخر، ومسلسل كشف الفضائح، الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، فالفضائح في البلد تشوه وجه القمر الكبير الذي شاهدناه مؤخراً، والفساد ينخر في جسد الوطن والمجتمع ولا حلول مرتقبة.
وعلى سبيل طرح الحلول، فإن مؤسستين إن نجحتا في أداء مهمتهما بالشكل المطلوب، فسيبدأ البلد استعادة شيء من ثقته بنفسه، وهما هيئة مكافحة الفساد، وهيئة حقوق الإنسان، فلنتمنَّ ذلك، لعل وعسى، ففيهما وفي المهمات التي سيعالجانها، ستتم تغطية قرابة 80 في المئة من الإشكاليات التي تسبب انعدام الثقة. ولأنهما جزء من الحل، ربما كان ذلك سبباً في الولادة العسيرة لهيئة مكافحة الفساد، والولادة الميتة لهيئة حقوق الإنسان، حيث إن الحكومة بقصد، لم تصدر اللائحة التنفيذية لها حتى بعد مرور سنة من صدور القانون المنتهك بالثغرات أصلاً.
لذا ستبقى القضايا الرئيسة كلها “رجعية” “ارتدادية”، مثل البصمة الوراثية وسحب الجناسي ونقد المجلس المنحل ونوابه.
حتى قضية البصمة الوراثية، وبعد العبث التشريعي الذي أحدثه المجلس وبعض المسؤولين، وقيام صاحب السمو بوضع حد له بتصريحاته، وكان آخرها اللقاء الذي أجريته مع سموه، سحب 17 مرشحاً موضوع البصمة من ندواتهم أو تصريحاتهم. كان يفترض في المرشحين ألا يتوقفوا عند هذا الحد، بل كان عليهم أن يثيروا سوء العملية التشريعية، التي نتج عنها 6 قوانين سيئة تعتدي على حقوق الناس، آخرها تخفيض سن الحدث إلى 16 سنة، مناقضاً بذلك قانون الطفل الذي صدر قبله.
هل يعنينا مثلاً أن نسبة التغيير 50 في المئة كالعادة أو 60 في المئة أو 70 في المئة أو حتى 100 في المئة؟ الأهم ليس نسبة التغيير، ولكن نوعية التغيير، وهي مسألة بها وحولها شك كبير.