للمرة الالف لست معنياً بالدفاع عن الاخوان المسلمين. ولا حتى متوافقاً مع من يخلط الدين بالسياسة. لكن أعتقد ان المرشح اسامة الشاهين لم يخالف المنطق او يقلب الحقائق كما حاول المعارضون له تصوير ما قاله في آخر مقابلة تلفزيونية له. لسنا في دولة بوليسية، مقولة صحيحة مليون في المئة. والذين «تطنزوا» على مقولة المرشح الشاهين عليهم ان يحددوا اولا ما هي الدولة البوليسية.
نحن لا نزال دولة يحكمها القانون. وتمارس السلطة القضائية فيها واجباتها الدستورية في الزام السلطات الاخرى باحترام الدستور والقوانين التي تحكم سلوك الناس. اي اننا لسنا دولة بوليسية على الاطلاق. وآخر مثال ربما لا يزال حياً وحاضراً، هو حكم اعادة جنسية المواطن احمد الجبر. فهذا الحكم ألغى المرسوم الاميري باسقاط جنسية المواطن الجبر. واعتبر المرسوم الاميري – كما ورد في نص حيثيات الحكم – «كأنه شيئاً لم يكن».
قاض فرد.. يصنف استناداً إلى القانون والدستور المرسوم الاميري الذي اصدره رئيس الدولة بانه «كأن لم يكن» اي يلغيه تماماً كأن لم يوجد.. ويأتي من يقول لك إن هذه الدولة اي الكويت دولة بوليسية!
«لأ» حرام عليكم.. ليس بحق الدولة، فلن يضيرها لا في هذه الايام ولا في غيرها «زعاقكم» وتضخيمكم للامور. لكن بحق المرشح الشاهين الذي كان يعبر بصدق عن الوضع. فكل دولة في العالم تصطدم الشرطة فيها مع المتظاهرين، وربما من يقرأ هذا المقال الآن يشاهد في الوقت ذاته قمع الشرطة اليونانية للمتظاهرين ضد الرئيس اوباما، وفي الولايات المتحدة حاليا هناك معتقلون بسبب التظاهر ضد الرئيس المنتخب دونالد ترامب. كل مظاهرات العالم- وفي الغالب- رغماً عن منظميها تتحول الى شغب وعنف وصدام بين الامن والمتظاهرين. ويتم فيها سقوط جرحى من الطرفين. من قوات الامن ومن المتظاهرين. وكل متظاهر، وكل من يمارس العمل السياسي يعلم مقدماً عن كل ذلك.. فلماذا تكون الكويت استثناء؟!
دولة قمعية بامتياز
بكل تأكيد لسنا دولة بوليسية كما يروج البعض، بل لا نكاد نقترب من ذلك، لكننا لسنا دولة حريات في الوقت ذاته. نحن دولة قمعية بامتياز. والقمع الممارس بعضه سياسياً وأغلبه اجتماعياً. السلطات تمارس قمعها بلا شك، لكن هذا القمع تمارسه السلطات الدينية والاجتماعية اكثر مما تمارسه السلطة السياسية.
لدينا مكافحون عنيدون عن الحريات. ومطالبون ملحون بها. لكنهم هم من – في الوقت ذاته- يصرون على الحجر على حرية الغير ومن يدفع بالسلطة بلا كلل لممارسة ومواصلة قمع من يختلف عنهم. الحرية عندنا مجزأة.. فهي حرية المجاميع الرجعية في اقصاء الغير وتحصين تخلفها وحماية اكاذيبها، وكل ما جرى تلفيقه خلال تاريخ هيمنتها وتسيدها في العصور المظلمة.
هم من طالب باغلاق القنوات، بل هم من تظاهر وتجمع في ساحة الارادة لضرب ما يسمونه بالاعلام الفاسد. هم من حرَّض السلطة على اغلاق الصحف وسحب الجناسي ومنع دخول الاحرار وطرد او تسفير من يختلف عنهم في المعتقد او حتى الرأي. قسموا الاعلام الى اعلام «طازة»، وهو ما يطبل لهم ويردد المفاهيم القديمة، والى اعلام فاسد وهو كل اعلام لا يتفق وما يؤمنون او حتى لا يروج طروحاتهم واحلامهم المريضة.
السلطة السياسية ربما تمنعك من التعبير عن رأيك في بعض الامور في بعض الوقت. السلطة الاجتماعية الرجعية لا تكتفي بمنعك من نقد او تمحيص خزعبلاتها في كل الوقت وحسب، بل هي تفرض عليك بالقوة ان تتعلمها وان تمارسها وحتى ان تروج لها.
نحن لانزال نملك فرص انتقاد السلطة السياسية، والتعبير عن رأينا ولو بشكل غير كافٍ في الامور المتعلقة بمصالحنا واساليب معيشتنا. لكننا لا نملك على الاطلاق اي حق في نقد او تمحيص او حتى التشكيك فيما تفرضه علينا مجاميع الردة الاجتماعية من قيود وضوابط اخلاقية ودينية وحتى سياسية.
عندما يصبح القمع هو السائد في المجتمع. والمواطن ينشأ على تقديس «التراث» وعدم المساس به. فان السلطة التي تترعرع اصلا في هذه الأجواء.. لا تلام على الاطلاق ان جارت او مارست ما تقبله الناس وما في الواقع دُربوا ولُقنوا على المطالبة به والاصرار على الابقاء عليه.
نتمنى ان تجري المظاهرات وفقاً للدستور. وان تكون حقاً مشروعاً يمارسه الناس بحرية ومسؤولية. لكن مع الاسف حتى الآن لدينا عقبات سياسية واجتماعية تحول دون تقبل ذلك. مع هذا يبقى الاساس موجوداً، والمطلوب من الجميع التكاتف والعمل للبناء عليه. وليس انكاره ورفضه والادعاء بان الكويت دولة بوليسية لا مكان فيها للحريات. تريدون ايذاء المرشح الشاهين.. آذوه وحده.. ولا تجعلوا الحريات وهيبة الدولة ادوات تكسرونها على رؤوس الآخرين.