لقد كان ذلك اليوم بالفعل يوما مليئا بالصراحة عندما التقيت ومجموعة من الشخصيات العامة بأحد ملاك إحدى القنوات المحلية للحديث عن قضية عامة أثارت الجدل في حينها، الحوار تشعب في عدة مواضيع فرعية حتى وصلنا لقضية تحقيق الأرباح، وأهمية وجود مسؤولية اجتماعية وأخلاقية تحرص على وجود برامج ومواضيع ذات جودة عالية في الطرح والمحتوى، الغرض منها الارتقاء بمستوى فهم الناس، أو بمعنى آخر عدم تدميرهم بترفيع النماذج السيئة في المجتمع.
الرد من مالك القناة جاءنا مباشرا وسريعا، التفت إلى شاشة تلفزيونية متوسطة الحجم عليها شارة القناة التي يملكها، كان يعرض في حينها برنامجا شهيرا لتفسير الأحلام، قال لأحد الأساتذة الأكاديميين ممن كانوا معنا في تلك الجلسة ” دكتور لو أعطيتك برنامجا في قناتي فهل سيحقق لي الأرباح نفسها التي أجنيها من برنامج تفسير الأحلام؟”، المعنى كان واضحا، وبالرغم من أن الدكتور نفسه قال لمالك القناة لست بالضرورة أنا من يصلح لجلب الأموال ولكن من المؤكد أن الخامات الجيدة متوافرة في السوق، الرد الثاني لمالك القناة كان أكثر صراحة من الأول: “لسنا بصدد التجريب إنما نريد تحقيق الأرباح وتمويل بقاء المحطة ودفع مرتبات من يعملون فيها”.
قد أجد آلاف الأعذار للتاجر الذي يبحث عن الربح دون مخالفة القوانين بالطبع، ولكن كيف أستطيع مسامحة مجتمع أدمن تكرار الوقوع في الحفرة نفسها وتصديق الشعارات نفسها والإيمان بالأكاذيب نفسها؟ يأتيهم الكاذب نفسه يقف فوق المنصة نفسها “مبققا” عينيه، ووجهه محتقن، ويداه تتبادلان الحركات نفسها صعودا ونزولا، وفي النهاية يخرج الحضور من المقر الانتخابي منتفخي البطن بالمفاطيح أو السباغيتي أو الجلو كباب لا فرق، مشحوني القلوب بالخوف والرعب من القائمة التالية (الطائفة الأخرى، التنظيم الدولي للتجار، القبيلة الأخرى، الوحش الخارجي المتربص).
ينتخبونه ويكررون الملهاة نفسها وبعدها يأخذون بالصياح “باعنا، ليش ساكت؟”، ثم يحسبون عليه قائمة مكاسبه الشخصية “اشترى بيتاً باليرموك، عطوه مزرعة، ولده الصغير صار مديرا، قبض في التصويت الفلاني، رسوا عليه مناقصة زراعة السمسم”، والقائمة تطول.
في النهاية كل ما يدور من حولكم شريط مكرر الأحداث، وأنتم لا أحد آخر هو من يصنع كل السلبيات التي يشتكي منها لاحقا، سلمتم رقابكم للحكومة ولنظام انتخابات الصوت الواحد- الذي فرق ما تبقى لكم من تماسك اجتماعي- حتى تحقق لكم وهم التنمية بدون معارضة، وبعدها سلمتم ما تبقى من آمال بحياة كريمة للمناديب، والنتيجة: تجرأت الحكومة على جيوبكم حتى تسد عجزها المالي، والمناديب ذهبوا معها حتى آخر مدى، وحتى هذه الساعة ما زال منكم من يبحث بين الأنقاض عن أوهام لن تتحقق في ملعب كتبت الحكومة كل قوانينه.
دعوني أقولها وأخلص “شعب بلا أنياب شعب مديوس لا محالة”.