انتهت الانتخابات الرئاسية الأميركية، كأي مباراة كرة قدم مثيرة، وسيتولى في ٢٠ يناير دونالد ترامب الرئاسة، كأكبر الرؤساء عمراً، حيث يبلغ ٧٠ عاماً.
إصابة العالم بحالة “انبعاج” سياسي لفوز ترامب تدل على أن أميركا مازالت الدولة الأقوى، سواء أحببناها أم كرهناها، وأنه إذا عطست أميركا فسيصاب العالم بالزكام.
أسباب فوز ترامب متعددة، وليست سبباً واحداً، إلا أن ما جعل الناس مصدومين، ليس فوزه، ولكن الوهم والتضليل الذي زرعته وسائل إعلام ومؤسسات استطلاع رأي يفترض أنها متوازنة وموضوعية. زرعوا الوهم للناس بأنه لن يفوز فصدقوا، وعندما فاز أصيبوا بالصدمة.
تخيلت معركة انتخابية مختلفة جداً لو أن المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز هو من فاز بمواجهة ترامب. فكلاهما ترامب وساندرز يمثلان التمرد على المؤسسة السياسية. أما وقد واجه ترامب هيلاري كلينتون، فقد صارت المسألة أكثر وضوحاً، بين المؤسسة السياسية والمتمردين عليها، ويدخل في تلك المعركة عاقل ومجنون، متطرف وعقلاني، عنصري ومتعايش.
ماذا سيفعل ترامب؟ وهل سينفذ وعوده؟ المؤكد هو أن الرئيس ترامب يختلف عن المرشح ترامب، فالتحديات التي تواجهه معقدة جداً، أولها، كيفية قيادة بلد منقسم جداً، صار، شاء أم أبى، رمزاً لذلك الانقسام. بل إن الانقسام طال حتى الحزب الجمهوري الغريب عليه، بوجود أغلبية في الكونغرس، وأغلبيته التي لن تكون سهلة.
للرئيس الأميركي صلاحيات تنفيذية واسعة، لكنها ليست صلاحيات مطلقة، فهناك الكثير من العقبات السياسية والمؤسسية والقانونية والمدنية.
فمثلاً عندما تولى الرئيس أوباما مهامه كان أبرز وعوده الانتخابية، وبالتالي أول قراراته الرئاسية إغلاق معتقل غوانتنامو، وها هو بعد ثماني سنوات سيغادر البيت الأبيض ولم ينجح في إغلاقه. وقد بذل وسائل مختلفة للتقليل من أهميته وتخفيض عدد المعتقلين، لكن المعتقل مازال موجوداً.
بالنسبة لترامب، الرئيس في هذه الحالة، قال الكثير، ووعد بالكثير، مثلاً، قال في مارس الماضي أمام مؤتمر “أيباك” الداعم لإسرائيل، إن أولويته الأولى، هي “إلغاء الاتفاق النووي الكارثي مع إيران”، فهل سيتم ذلك؟ لنر كيف سيفعل ذلك. وكيف سيرمم علاقته مع الضامنين لذلك الاتفاق (٥+١)؟ والناتو؟ وكيف سيجعل من أميركا قوية ويشكك في حلف الناتو في ذات الوقت؟
مثال آخر، كرر ترامب المرشح تعهده بإلغاء نظام الرعاية الصحية الذي استحدثه أوباما، وفي أول تصريح لترامب الرئيس قال إنه ربما يبقي على بعض مكونات نظام الرعاية الصحية، أي إنه لن يلغيه.
خلاصة الأمر هي أن ترامب مازال شخصاً مجهولاً وجديداً على العمل السياسي، سواء الداخلي أو الخارجي، وقد يعتمد كثيراً على الكاريزما التي ستكون مقنعة فقط لنصف المجتمع.
وستكون السنتان الأوليان في عمر رئاسته مرحلة تعلم وخطأ، وهي مسألة معتادة في السياسة الأميركية الخارجية، لنصبح مختبراً لتجارب أميركا، وليذهب العالم إلى الجحيم.
أغادر البلاد إلى أوروبا وأميركا في مهمة عمل ستتضمن محاضرات ومؤتمرات ولقاءات متنوعة، لعلي آتيكم خلالها بعلم مفيد. وسيكون من ضمنها تلبيتي دعوة كريمة من اتحاد الطلبة في أميركا.