ما إن يردد البعض عبارة أو فكرة حتى تجد أن كثيراً من فئات المجتمع يتداولونها وتترسخ في عقولهم كحقيقة غير قابلة للنقض، مثلاً عندما أطلق البعض عبارات كالصفوية على الشيعة وجدنا أن الكثيرين باتوا يرددون هذه الصفة عن الشيعة دون إدراك معظمهم معنى الصفوية أصلاً ولا أسباب نقدها، مثال آخر عندما حاول البعض تصوير المشكلة الرياضية الكويتية بأنها مشكلة بين قطبين ردد الناس ولا يزالون يرددون في حديثهم أن مشكلتنا الرياضية سببها الخلاف بين شخصين دون معرفة تفاصيل المشكلة أو أسبابها، إلا أن تلك الفكرة راسخة في أذهانهم بل امتدت إلى كثير من مرشحي المجلس.
وأذكر لتعزيز ما أقول أيضا عندما أعلنت العزيزة أسيل العوضي قبل خمس سنوات تأييد كتلة العمل الوطني لاستجواب رئيس الوزراء حينذاك الشيخ ناصر المحمد بقولها إن الكتلة ستكون مع الاستجواب من حيث المبدأ لحين الاطلاع على محاوره، وهو رأي سديد بلا أدنى شك، إلا أن سخرية بعض النقاد من عبارة من حيث المبدأ جعلت منها تخاذلا وضعفا، ولو كانوا قد تفحصوا الأمر قليلا لعلموا يقينا أن تلك العبارة تنمّ عن وعي وحصافة سياسية.
اليوم يكرر الناس ترديد بعض العبارات دون دراية أيضا أو تعمق في فهم ما يقولون أو يحاربون، فبعد أن أطلق مسؤول حكومي قبل أشهر تسمية المناديب على نواب مجلس الأمة للتعبير عن دورهم في تخليص المعاملات في الوزارات، أصبح المواطنون يرددون بسخرية لوصف مجلس 2013 أنه مجلس مناديب معبرين عن استيائهم الشديد من أن يكون المجلس عبارة عن مناديب.
ولكنهم وأعني المواطنين ممن يعيبون على مجلس 2013 وصف المناديب، أقول لو تفحص المواطنون بمعنى المناديب لوجدوا أن أساس معظم اختياراتهم في السنوات الماضية كان مبنيا على أنهم يريدون من النائب أن يكون مندوبا لهم.
فكم من عبارة ترددت على شاكلة “النائب ما فيه خير نسى ربعه”، “النائب ما سوى لي شي”، “ما خلصها لي إلا بو فلان ما قصر”، “جماعة فلان كلهم خلصوا شغلهم وصاحبنا مو صوبنا”، إلى آخره من عبارات تنصبّ في اتجاه واحد وهو اتجاه تخليص المعاملات الفردية لا القضايا العامة، وفي كثير من الأحيان بل كثير جدا لا يحظى من لا ينجز المعاملات بأصوات تؤهله حتى للمنافسة لأن أصوات الناس تكون في مصلحة من يكرس وقته لتخليص المعاملات، ولعل المراكز الأولى في معظم الدوائر في كل انتخابات والتي تصبّ عادة في مصلحة مخلصي المعاملات من النواب تؤكد ما أقول.
إذاً نحن شعب نريد المناديب ونفضلهم على غيرهم من المرشحين ممن لا يرتضون العمل كمناديب، إلا أننا رغم ذلك نكرر عبارات تديننا أكثر مما تدعم رأينا، ولن تختلف الحال في الانتخابات القادمة بل سيحوز مخلصو المعاملات أصوات الناخبين منتقدي مجلس المناديب، ولن تستقيم الحال ما لم نتوقف عن نفاق النفس الدائم.