دار حوار في الآونة الأخيرة حول ما كشفه التطبيق العملي من نتائج سلبية بشأن «الصوت الواحد»، وقد جاوبت في ذلك الحوار مبدياً رأيي بأنه يبدو أننا قوم لا نستفيد من تجاربنا، أو لا نرغب في ذلك، وتحكمنا بصورة واضحة ظروف الحال ورد الفعل، فنندفع للتجريب من جديد، ظنّاً منا أن ذلك هو الوسيلة التي تخلّصنا من واقع مُرّ أو تجربة فاشلة، فنهرب للإمام بقرارات التجديد، التي سرعان ما تتعثّر تجربتها، لأننا ــــ وبكل أسف ــــ اندفعنا بهذا الاتجاه من دون الاستفادة من تجاربنا في تلمّس مخاطر التوجه الجديد، الذي اندفعنا إليه. وخلاصة رأيي في تجربة «الصوت الواحد»، الذي طبّقناه في انتخابات مجلس الأمة منذ عام 2013 في جولتين انتخابيتين، وتقييمي له، أنه تكرار للتجارب الفاشلة السابقة عليه، وربما يكون أسوأها.
بداية، لا بد أن أؤكد أن مرحلة الصوت الواحد هي حصاد لتجارب مريرة من العبث السياسي والبرلماني، مارسته معظم الحكومات والمجالس المتعاقبة ومؤسسات وتيارات سياسية، جريا من كل منهم، ربما لتحقيق غايات آنية وأغراض مؤقتة على حساب البلد وتجربته البرلمانية والانتخابية الرائدة، وهو ما يكشف إسهامهم، كل في مرحلته، بتكريس مراكزه وقواه، لأن المصلحة الوطنية، ربما لم تكن غاية البعض.
وقد لا يكفي مقال لموضوع أخذ مني وقتا لدراسته وتمحيصه، ولكن قد يكون إطلالة مفيدة لوقفة ناجحة للمستقبل النيابي ـــ الحكومي لمنع تكرار تجربة الصوت الواحد، أملاً في أن يتم العدول عن هذا النظام نظراً الى أن تجربة الصوت الواحد لمجلس الأمة فيها مثالب وعيوب كثيرة تفوق نظام الانتخابات السابقة، فهي ليست تجربة ناجحة للتمسك بها، بل أضرارها الاجتماعية والسياسية والقانونية حاضرة بصورة جلية، وهي أكثر من منافعها.
فقد كانت أهداف الصوت الواحد مجابهة بيع الأصوات، والتغلب على التشرذم الفئوي، وتحقيق تمثيل الأقليات، ومنع تحالفات تبادل الأصوات، وضآلة ووهن تمثيل الأمة، ونقل القيود الانتخابية، ويلاحظ أن كل تلك السلبيات ما زالت حاضرة في ظل نظام الصوت الواحد، بل تفاقمت، وهذه بعض الشواهد والتفاصيل.
فقد أورث نظام الصوت الواحد حالة تشرذم مجتمعي غير مسبوق، بتغذيته الجارفة للفئوية والعائلية والقبلية والطائفية على مستوى تفتيتي، بمراحل أسوأ من حال الأنظمة السابقة عليه، وهي حالة تشرذم محفوفة بالمخاطر الاجتماعية والسياسية في آن واحد. أما تمثيل الأمة فأصيب بهزال لا يستقيم مع فكرة التمثيل لها، حينما يكون النائب ممثلا لـ %1 إلى %4.5 من أصوات ناخبيه، وأما شراء الأصوات فصار أسهل طريق لضمان المقعد النيابي، بل وعبث أصحاب المال السياسي في إسقاط مرشح وإنجاح آخر، وراجت حالة نقل القيود الانتخابية، بل زاد وزن أثرها، لان عدداً ضئيلاً من الأصوات صار كافياً لتغيير كفة الموازين، أما تحالفات تبادل الأصوات فظهرت بنمط الفئوية وتداعيات للأقليات لعصبية فئوية أو قبلية أو طائفية، فزاد البلاء استشراء، وقد تفاقمت الفردية المفرطة بين بعض أعضاء المجلس والتي ربما تضحي بمصلحة الوطن للتنفع من العضوية، التي ربما لن تتكرر، فطغى خطاب وأسلوب الفئوية وإرضاء الناخبين على حساب الخطاب الوطني، ولذا فإن الوطن يعاني وسيعاني مستقبلا من تلك المخاطر السياسية والاجتماعية والقانونية وتداعياتها، بسبب عدم استفادتنا من تجاربنا السابقة، لنضيف إليها تجربة أسوأ؛ ولذا فإن الحل ليس في الدائرة الواحدة، كما يدّعي البعض، بل إصلاح النظام الانتخابي بصورة مجدية تقضي على العيوب السابقة قاطبةً، حفاظاً على الكويت.