كالنار في الهشيم، ينتشر الصدام، ويحتدم الصراع بين العشرات، وربما المئات، بسبب تغريدة كتبها مغرد مجهول! وما هي إلا لحظات حتى يحمى الوطيس في ردود المغردين على تلك التغريدة، فهذا يكفِّر هذا، وذاك يشتم أم طائفة فلان، وتلك تدعي أنها الموحدة قبل فلانة الكافرة، والكل يغني على ليل الالتزام بالدين وحماية العقيدة، ولو سألتهم جميعًا: «هل تعرفون هوية ذلك المغرد (مجهولاً كان أم متقمصًا صورة واسمًا أم مفبركًا شخصيته)، الذي أثاركم بتغريدته الطائفية المنكرة؟ وهل بإمكانكم أن تتيقنوا من أصل دينه ومذهبه حتى تتفاعلوا معه؟»، وفي الغالب، لا تجد لديهم جوابًا غير أنهم انجرفوا كما ينجرف قطيع نحو هاوية!
والكلام حول إعلام الفتنة طويل ويتطلب بحثًا متعمقًا، إلا أنَّ من الواضح بروز ظاهرة التناحر الطائفي في العديد من وسائل التواصل، وخصوصًا في صفحات «الفيسبوك» وفي حسابات التغريد «تويتر»، وفي مواد وتعليقات «اليوتيوب»، ففي الأخير أي موقف قد يتحول من مقطع فكاهي مدبلج من مسلسل الأطفال الكارتوني الشهير «توم وجيري»، إلى تعليقات وهجوم طائفي وتكفيري متطرف لا علاقة له بالمشهد، اللهم أن أحدهم كتب تعليقًا تهجم فيه على طائفة وملة، ومن بعده تنهمر أخلاق الكراهية والأخلاق الذميمة فيما يعقب من تعليقات… والغريب، أن الكل يدعي أنه يخاف الله، وأن أخلاقه أخلاق بني الإسلام.
من الأهمية بمكان التنبه إلى أن مكنة الإعلام الصهيوني المتوغلة في العالم العربي والإسلامي ليست بتلك الحرفية العالية، إلا أنها على مستوى كبير جدًّا من التفنن في إثارة الفتن، وتلقيمها للمتلقي الساذج، الطائفي، المتشدد، التكفيري، المتطرف، الذي يحمل عقلًا مهيَّأ من الأساس للتفاعل مع قاذورات الإعلام المتصهين، ويسهم في نشر سمومه.
إن منصات وحسابات الإعلام الإلكتروني الصهيوني لا تجد صعوبة في تلبس حساب باسم شخصية شيعية للنيل من السنة، ولا تتورع في استخدام اسم شخصية سنية للنيل من الشيعة، ولا تجد صعوبة على الإطلاق في التأكد من أن هناك قطيعاً بلا عقل سيأكل من علف ذلك الإعلام بكل شهية.
لنذهب إلى أحد أبرز التقارير الفلسطينية في هذا المجال، فقد أجرت حركة المجاهدين الفلسطينية بحثًا موسعًا حول خطة الإعلام الصهيوني في تشكيل مجموعات وإنشاء صفحات ناطقة باللغة العربية، وتأسيس مواقع وشبكات الكترونية، لا تقتصر فقط على التحريض على المقاومة وعلى مباركة التطبيع والتهويد، بل تعمل بشكل كبير من خلال مئات المواقع والحسابات على تأجيج الصراع المذهبي في المجتمع الإسلامي بين السنة والشيعة، وبين العرب وغير العرب، وبين المسيحيين والمسلمين، واشعال التناحر المذهبي بإثارة العنصرية بين مختلف أتباع المذاهب الإسلامية، وليس مستغربًا أن يبتلع خطيب هنا أو كاتب هنا أو إعلامي هناك تلك المادة المؤججة ويعيد نشرها وتوزيعها وتضخيم تأجيجها.
مئات الآلاف من العرب والمسلمين يتابعون حساب المتحدث باسم جيش الاحتلال «أفيخاي أدرعي»، وهو حساب لا شك في ذكائه ودهائه وخبثه… قد يهنئ الناس بحلول شهر رمضان المبارك، وقد يدعو بدعاء مشهور أيام الجمع، لكنه يهدف إلى التحريض على الفلسطينيين والعرب والمسلمين ويحظى بدعم من حسابات كثيرة، لابد من أن نضع استفهام الشك في منشئها، فيما تأتي صفحة «إسرائيل تتكلم عربي»، ويقال إنها ولدت من رحم وزارة الخارجية الصهيونية، فهي تشتغل بجد في تلميع صورة الكيان المحتل وتغني للتطبيع، وفي الوقت ذاته، تبث سمومها ولاسيما في أوساط الشباب في العالم العربي والإسلامي.
ولعل التساؤل الأبرز: لماذا تقوم بعض الأجهزة والفضائيات والمواقع العربية بانتهاج أسلوب الإعلام الصهيوني في مجتمعاتنا؟ ومنها فضائيات مشهورة أصبح الناس يسمونها بالعبرية! والجواب، هي تفعل ذلك، لأنها متيقنة بأن هناك جمهوراً: مثلنا مثلكم مثلهم قابل لتصديق كل شيء، لكن لو قدر لنا أن نهيئ مجتمعاتنا وإعلامنا ومناهجنا الدراسية ومحاضراتنا وندواتنا وتكثيفها للتصدي لممارسات الإعلام الصهيوني، لتمكنا من ايصال رسالة مهمة إلى الناس في أوطاننا: «لا تجعلوا عقولكم ومشاعركم مكبًّا لنفايات الإعلام المتصهين… لا تصدقوا كل شيء ولا تنجرفوا مع القطيع».