كان أشبه بمشهد مسرحي ضاحك وساخر في البرلمان اللبناني قبل أيام، والمنطقة تتابع انتخاب الرئيس اللبناني بعد شغور طويل للمنصب. وانتخب البرلمان اللبناني الجنرال ميشال عون الإثنين الماضي، وهو الذي تعهد بإبقاء لبنان بعيدا عن الأزمات الإقليمية. وهو تصريح يدعو للتفاؤل بعض الشيء. قصر بعبدا المهجور منذ عامين وخمسة أشهر لم يعد شاغرا بعد أن كان يبدو انتخاب رئيس وتشكيل الحكومة أشبه بالمهمة المستحيلة. ما الذي تغير بعد كل هذه المدة ليجلس النواب في البرلمان يتبادلون أوراق مرشحيهم كما لو كانت لعبة ديمقراطية يفترض أن تكون مفصلة على مقاس الطوائف اللبنانية الـ 17. سؤال صعب مطروح ومعقد بحجم تعقيدات المنطقة، لكنه سؤال ربما هامشي الآن طالما أن العقدة انفرجت – على الأقل هكذا بدت. ذلك التشابك الحرفي بين وضع لبنان الداخلي ذي المحاصصة الطائفية والأوضاع المحيطة هو الذي يجعل من لبنان ساحة تختزل الأوضاع الإقليمية، أو حتى كما لو كان غرفة كواليس لما يحدث في المنطقة، لا سيما ذلك الامتداد السوري الحرج للغاية؛ الجغرافي والسياسي.
وبما أن الأوضاع الإقليمية المعقدة شهدت تحولات كبيرة فإن ميل كفة السياسة في اختيار الرئيس اللبناني هو بطبيعة الحال وفقا للتوازنات الإقليمية كما خريطة لبنان الجيوسياسية. وتغيير موازين القوى لم يحن بعد مع كثير من هذه التحولات التي حدثت في سورية وحلب أو حتى مشروع الكيان الكردي وتركيا. وكان لا بد أن تستمر مؤسسات الدولة بعملها، خاصة أن مجلس النواب الممدد له، بقيت له شهور قليلة ليصبح بعدها مطعونا في شرعيته. ما يعني جمهورية صغيرة وحكومة معطلة لا تستطيع تسيير روتين الحياة اليومي فيها.
إذن فقد جاء انتخاب الجنرال ميشال عون لإدارة هذه الأزمة المتفاقمة، هو المحسوب على تيار الثامن من آذار المؤيد لحزب الله وسورية الذي عقد اتفاقات مع تيار “المستقبل” وحزب “القوات اللبنانية” في الصف الآخر. وقد بدأ الرئيس اللبناني ميشال عون بعد يومين من الانتخاب مشاوراته مع زعماء القوى البرلمانية الرئيسة لاختيار رئيس وزراء يتولى تشكيل حكومة جديدة في البلاد ويرجح أن يكون رئيس تيار المستقبل سعد الحريري. وعلى الحكومة اللبنانية الجديدة أن تنفض الغبار من على الطاولة لتواجه عددا من الملفات الشائكة.
كثير من اللبنانيين على الأراضي اللبنانية ومن هم كذلك في المهجر غاضبون من اختيار عون رئيسا. كذلك الأمر بالنسبة لكثير من غير اللبنانيين الذين قد يرون فيه احتمالية تعميق الخطوط الفاصلة في المشهد اللبناني، لاسيما وهيمنة حزب الله السياسية والعسكرية ومؤيديه على ذلك المشهد، بصفته ممثلا للسياسات الإيرانية وتدخلاتها في لبنان. لكن شغور قصر الرئاسة أو عدمه لا يبدو أنه يغير كثيرا في المعادلة. وما على الجميع سوى الترقب الآن فلا شيء يمكن للجميع فعله سوى ذلك، وبيد الرئيس الجديد والحكومة اختيار ما يرضي جميع الفرقاء ومصلحة لبنان بعيدا عن تعميق الصراع، وبذلك يكسب تأييد الخصوم كما المريدين.