يكثر أيام الانتخابات حث الناس على حسن الاختيار، وإيهامهم بأنهم أمام فرصة جديدة في الانتخابات القادمة للإصلاح، من خلال تحسين اختيارهم لأعضاء البرلمان، في إشارة إلى أن أزمتنا الحقيقية تكمن في سوء اختيارنا لمن يمثلنا في المجلس.
في اعتقادي أن تعليق سبب الأزمة بسوء اختيار الناس لممثليهم فيه قدر من التبسيط المخل لحقيقة الأزمة، فهذا النوع من التفسير يتجاوز معطيات واقعية عايشناها جميعا، يمكن ملاحظتها في الجهد الكبير الذي بُذل من أجل تسويق وإقرار نظام الصوت الواحد، والاستماته في الدفاع عنه وتبريره، كل ذلك من المفترض أن يجعلنا نتأكد أن جوهر المشكلة ليس في سوء اختيار الناس لممثليهم، وإنما في النظام الانتخابي الذي باعتقادي من خلاله يتم اختيار هؤلاء الممثلين، والذي تم تصميمه بطريقة تضمن ألا تكون المخرجات إلا ضعيفة في غالبها، وأقليات يسهل السيطرة عليها، فلو لم يكن لهذا النظام الانتخابي دور وأثر في توجيه اختيار الناس، وتحديد مخرجات الانتخابات لما رأينا كل ذلك الجهد في إقراره وتسويقه!
الساحة السياسية والأوساط الاجتماعية تعج بجلد الذات وتبادل الاتهامات بسوء الاختيار، وكل طرف يتهم الآخر بأن معايير الطائفية أو القبلية أو المحسوبية والواسطة هي التي تحكم اختياره، بينما الواقع يقول إن جميع تلك المعايير هي إفراز طبيعي لنظام انتخابي قائم على الاختيار الفردي، فهو الذي يغذي تلك المعايير ويبرزها، هذا لا يعني عدم إمكانية نجاح عناصر طيبة، لكن سيظل وجودها محدودا ومحكوما بقواعد تجعلهم غير قادرين على إحداث تغيير حقيقي، وبمجرد محاولة تغيير قواعد اللعبة يتم العودة بالجميع إلى المربع الأول، لذلك من الخطأ التوهم بأنه يمكن تحسين الاختيار في ظل نفس المعطيات السابقة، فليس من الذكاء أن تمارس ذات السلوك ثم تتوقع نتائج مختلفة!
لا يمكن مطالبة الناس بحسن الاختيار، وتحميلهم مسؤولية سوء الاختيار في ظل ما يشبه الإفساد المتعمد للبيئة السياسية والاجتماعية، والذي تم من خلال إفساد النظام الإداري للدولة، فصار من الصعب على كثير من المواطنين قضاء مصالحهم إلا من خلال نواب البرلمان، فارتبط مصير المواطن بالنائب، والنائب لا يمكن أن يقضي مصالح الناس ما لم يُعطَ الضوء الأخضر من الحكومة، بالتالي تم دفع الناس مضطرين إلى هذه النوعية من النواب الذين صنعتهم الحكومة بعد إفساد النظام الإداري بفتح أبواب المعاملات لهم، حتى يشعر المواطنون أن مصيرهم معلق بهؤلاء النواب، ومصير هؤلاء النواب بيد الحكومة!
في ظل هذا المشهد المأساوي يصبح حث الناس على حسن الاختيار مجرد وعظ بارد، ليس له من الواقع نصيب!