تم حل مجلس الامة بتاريخ 16 اكتوبر، وبعدها بثلاثة ايام، تصرح وكالة موديز للتصنيف الائتماني بأن التطورات السياسية قد تؤدي الى تدهور الوضع الائتماني للبلاد، وتتوقع الوكالة ارتفاع الدين الحكومي الى حوالي 32 % من الناتج المحلي بحلول 2020.
هل يثق المجتمع بالحكومة؟
لا شك في أن انخفاض اسعار النفط يجبر الحكومات الخليجية على اتخاذ تدابير وقرارات اقتصادية صعبة للمحافظة على احتياطياتها النقدية وصناديقها السيادية، وكانت الخطوة الاولى هي تخفيض النفقات والمصاريف الحكومية، وهنا بدأت الاجراءات التقشفية مثل تحرير اسعار الكهرباء والماء والبنزين، الا ان تلك القرارات تواجه ردة فعل عنيفة في الكويت مما دفع النواب للتخلي عن موالاة الحكومة وتقديم استجوابات.
الحكومة لاتبذل الجهد الكافي لاقناع المواطنين بالحاجة لتلك القرارات، ويبدو ان السبب الاكبر هو انعدام ثقة الشعب في وزراء حكومتهم، لذلك كانت التوصية الرئيسية لرئيس مجلس الامة هي السعي لتغيير الوزراء.
ما خطأ الحكومة السابقة؟
وتحتاج المرحلة القادمة الى وزراء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، ومن المهم دراسة القرارات قبل تنفيذها لأن الاخطاء في الوقت الحالي غير مقبولة، ويجب توافر الطاقة والنشاط للوزراء الجدد والقدرة على اتخاذ القرارات الجريئة والدفاع عنها، ويجب على الوزراء القادمين استثمار الكثير من وقتهم في اقناع الشعب مما يخفف الضغط عن النواب ويساعد على تشكيل تعاون مهم لتمرير تلك القرارات المصيرية، وسيهاجم المواطنون والنواب اي وزير اذا تبين ضعف قدراته الفنية، وقد سقطت الحكومة في اكثر من اختبار مما تسبب في احراجها، وكانت السقطة الاولى في التراجع عن تقليل مزايا العاملين في القطاع النفطي، ثم سقطت مرة اخرى عندما استثنت الحكومة السكن الخاص من التسعيرة الجديدة للكهرباء، وكانت الضربة القاضية في خسارة حكم درجة اولى بخصوص تسعيرة البنزين، مما يضع التسعيرة الجديدة
للبنزين أمام احتمالية ابطالها، لا يجب ان تتخذ القرارات بالشكل العشوائي، لان تأثيرها كبير جداً على المواطن البسيط الذي قد يرفض تطبيقها أو يتحايل عليها.
ما حجم العجز المالي؟
تبدأ أي خطة جديدة بأهداف محددة، ويقف الدين العام حالياً عند 2.5 مليار دينار، لذلك يكون الهدف المنطقي للحكومة هو المحافظة على مستوى الدين العام من دون 10 مليارات دينار وهي تمثل 20 %من الناتج المحلي قبل سنة 2020، وهذا الهدف مهم للمحافظة على التصنيف الائتماني للكويت، ويقف العجز الحالي عند 5 مليارات دينار، وتستطيع الكويت سحب 3 مليارات دينار من الاحتياطي العام واقتراض ملياري دينار سنوياً لتحقيق الهدف المطلوب. ولدى الكويت اكبر احتياطي مالي في الخليج بالنسبة للناتج المحلي، ويكفي لتغطية العجوزات لأكثر من 20 سنة قادمة حسب الأوضاع الحالية، لذلك تصبح عمليات التقشف غير ضرورية في الأوضاع الحالية. ومع استمرار اسعار النفط حسب المستويات الحالية سيضعف الدافع للاصلاحات المالية. ويكون على وزير المالية القادم توضيح الأرقام للشعب والنواب ووكالات التصنيف العالمية.
ما هو التحدي الأهم للجيل القادم؟
بعد النجاح في السيطرة على الانفاق الحكومي يبقى السؤال الأخطر هو ماذا بعد سنة 2020؟ وعندها يكون لدينا جيل جديد يرث تركة أخطاء الجيل السابق. وعملية التقشف وتقليل المصاريف مهمة، لكن الأهم هو عملية زيادة الايرادات والإنتاج القومي وخلق فرص عمل. لذلك يكون التحدي الأكبر للدولة هو خلق مجتمع منتج وتحريك عجلة الاقتصاد وتوفير وظائف للمجتمع الشاب وخلق الدولة المستمرة. وعجزت الحكومات والمجالس المتعاقبة من التأسيس لمرحلة انخفاض ايرادات النفط. لذلك اصبحت الفرصة الوظيفية محدودة، وأصبح القطاع الخاص ضعيفا بسبب اعتماده على دعم الدولة، وترزح الشركات تحت بيروقراطية الحكومة الثقيلة. لذلك اقرت المجالس السابقة نظام دعم العمالة والصندوق الوطني المشروعات الصغيرة، لكن تظل تلك القوانين والمؤسسات غير قادرة على التحرك في ظل اقتصاد مغلق ومحدود. واصدر البنك الدولي توصيات واضحة بخصوص كسر احتكار البنوك المحلية وزيادة عدد القسائم الصناعية. وهناك العديد من العقبات البيروقراطية مثل طول مدة الحصول على التراخيص الحكومية وتداخل المسؤوليات الحكومية. لكن الحل الأشمل هو خلق كيانات اقتصادية ضخمة قادرة على النمووخلق فرص العمل بشكل مستمر، وتستطيع تلك المؤسسات التجارية التعامل باحترافية مع التحديات المحلية والتوسع للخارج، وعليها ايضا المنافسة مع الشركات الخارجية.
ما اهداف الحكومة القادمة؟
يجب ان تكون اولوية المرحلة القادمة هي خلق عدد محدد من الوظائف في القطاع الخاص، وتقدر حاجة الدولة من الوظائف بعدد يفوق 20 الف وظيفة سنوياً، ويجب ان تكون تلك الوظائف ذات طبيعة مناسبة مع حاجة المجتمع المحلي، لذلك على الدولة مساعدة الشركات المحلية على النمو او مساعدة المواطنين على تأسيس شركات جديدة تساهم في خلق فرص عمل وبافتراض ان كل شركة جديدة تحتاج 20 موظفاً، يصبح الهدف هو تأسيس الف مؤسسة تجارية جديدة سنوياً بمعدل 3 رخص تجارية في اليوم الواحد، والفائدة الاكبر للحكومة تكون في ان كل موظف في القطاع الخاص يوفر على الدولة ما يقارب 500 دينار شهرياً أو 6آلاف دينار سنوياً، ولو نجحت الحكومة في توفير العدد المطلوب من الوظائف في القطاع الخاص، توفر الدولة 120 مليون دينار سنوياً، وكل سنة اضافية يرتفع المبلغ الفائض بنفس القيمة، وهنا تتفق مصلحة الدولة مع مصلحة المواطنين والتجار، وتبقى عملية تحقيق هذا الهدف على ارض الواقع.
ما مزايا المجتمع الكويتي؟
تهمين الكويت على قائمة الدول الجاذبة للمقيمين من الوطن العربي والدول المجاورة، ويعيش في الكويت اكثر من مليوني مقيم، والعديد من هولاء يعيشون في الكويت منذ سنوات وجعلوا الدولة وطنهم الاول، لكن يتعامل المسؤولون معهم كأنهم عبء على الدولة، وفي الواقع، وجود هذا الخليط من الجنسيات ساعد الكويت في التطور بشكل سريع بعد اكتشاف النفط.
وساهموا في تقدم الكويت في مجالات عديدة مثل الانشطة الترفيهية والاعلامية وتجارة التجزئة وقطاعات البناء والتشييد والمقاولات، ومن الصعب تخيل مستقبل الكويت من دون هؤلاء المقيمين.
واستطاع بعضهم تأسيس شركات مهمة وحيوية في الاقتصاد المحلي، ولا يحتاج بعضهم الى اي دعم من الدولة، بل ان الشركات التي يقودها المقيمون تستطيع العمل بفاعلية والتوسع بشكل إقليمي بسبب علاقات هؤلاء مع اقربائهم في الخارج، لذلك نستطيع الاستفادة من الطاقة الايجابية للمقيمين عن طريق توفير تسهيلات لهم في العمل والاقامة وتأسيس الشركات.
ومن اهم تلك التسهيلات توفير بيئة قانونية مناسبة لتحفيز الابداع والعمل، ويعتبر المقيمونفي الواقع المحرك الاساسي للعديد من القطاعات الاقتصادية في الكويت. ولكنهم يقفون خلف الأسماء المحلية. ويكفي النظر للدول المنتاجة مثل ألمانيا وأميركا وكندا واستراليا لمعرفة قدرة المهاجرين على تأسيس شركات وخلق فرص عمل للمجتمعات التي تستقبلهم. لذلك على وزير المالية القادم تقديم توصيات واقعية وبسيطة لمجلس الأمة المقبل لخلق بيئة مناسبة لتحفيز الاقتصاد المحلي وبناء الدولة المستمرة.
الإقامة الدائمة
يسعى المهاجرون الى البحث عن الفرص والحياة الكريمة في دول أخرى. وتقوم العديد من الدول باستقبالهم حسب شروط محددة، وإعطائهم حق الإقامة الدائمة. وتقوم ايضا بعض الدول بإعطائهم الجنسية بعد فترة محددة. ومجرد توفير الإقامة الدائمة يوفر استقراراً مهماً لهؤلاء المهاجرين، ويدفعهم الى بذل الجهد والابداع، مما يرجع بالفائدة على الدولة المضيفة. لذلك يكون إقرار قانون الإقامة الدائمة حافزاً مهماً ورئيسياً لجذب المهاجرين. وتقوم ايضا بعض الدول بتوفير الإقامة الدائمة للمستثمرين. وهذه الاستراتيجية قد تشترط توفير فرص عمل للمواطنين.
تملك الشركات
وبعد توفير الإقامة الدائمة للمهاجرين، تكون الخطوة التالية هي حماية ملكيتهم لمشاريعهم وشركاتهم الخاصة، وهو ما يعتبر حقاً طبيعياً ومحمياً في المادة 18 من الدستور الكويتي. وعند تأسيس الشركات المحلية، تكون مصلحة الدولة في حماية تلك الشركات وتشجيعها للنمو وخلق فرص عمل.
تملك العقار
تبقى الخطوة الأخيرة لتوفير الاستقرار للمهاجرين في تأمين الاستقرار لعائلاتهم، وهنا يأتي السماح للأجانب بالتملك، وهو ما يتوافر في العديد من الدول الاجنبية، مثل بريطانيا وتركيا ومصر والمغرب، ولا يوجد سبب منطقي يمنع الأجانب من التملك. وقد يقوم ملاك العقار الأجانب بتوفير سكن بالايجار للمواطنين والمقيمين. ولا شك بأن قيمة العقار سترتفع مع ملكية
الأجانب، لذلك يتعين ايضا توفير العرض الكافي لتلبية الطلب على العقار وتنظيم ضرائب الملكية.
اللغة الإنكليزية
توفر اللغة الانكليزية المدخل الأساسي للتعامل مع العالم الخارجي. وهي اللغة التي تقوم من خلالها الأعمال التجارية بين جميع دول العالم. وتعتبر اللغة الانكليزية معتمدة في البنوك المحلية وفي مؤسسة البترول وشركاتها وفي الهيئة العامة للاستثمار وفي مستشفيات ومستوصفات الدولة. لذلك يكون اعتماد اللغة الانكليزية بشكل رسمي مفيدا جدا للمستثمرين الأجانب والشركات العالمية. ومع ارتفاع نسبة المتحدثين باللغة الانكليزية، تزيد تنافسية الدولة ومؤسساتها. وتزيد ايضا فرص التوظيف لدى المتحدثين بلغة أخرى أكثر من غيرهم.
القانون الإنكليزي
يكاد يكون الجهل بالقوانين المحلية هو العائق الأكبر للمستثمرين الأجانب. وأقرت دبي المركز التجاري العالمي الذي يستخدم القانون الانكليزي. وهناك العديد من الشركات الخليجية والعالمية التي تفضل مركز التجارة العالمي في دبي بسبب النظام القانوني. ويكفي ان تقوم الدولة باعتماد القانون الانكليزي لزيادة تنافسية الاقتصاد المحلي. ويستطيع المشرعون حصر القانون الانكليزي في الجانب التجاري فقط.
إزدواجية الجنسية
تسمح ايران والعراق ومصر والمغرب واسرائيل وأغلب الدول العربية والعالمية بازدواجية الجنسية. وتكاد تنفرد الدول الخليجية بمنع ازدواجية الجنسية. والسبب الأبرز لمنع الازدواجية هو المزايا التي يحصل عليها المواطنون. لكن الدولة قد تجني الكثير من المواطنين المزدوجين عن طريق تسهيل التعامل التجاري بين الدول. ويستطيع هؤلاء المواطنون تكوين علاقات متميزة في الدولتين. وهناك شخصيات وطنية مميزة ورجال أعمال لديهن جنسيتين أو أكثر. ويقوم أغلب رجال الاعمال بالاحتفاظ بأكثر من جنسية للتنقل بحرية ولتسهيل أعمالهم التجارية. لذلك يكون المواطنون المزدوجون ميزة تنافسية للدولة. ولا يجب النظر الى الازدواجية على أنها خيانة للوطن أو نقص في الولاء.
ماذا تجني الكويت بعد اعتماد الإصلاحات السابقة؟
ضرائب المبيعات
ستقوم الكويت ودول الخليج باعتماد ضرائب المبيعات او ما يسمعى بضريبة القيمة المُضافة في 2018. وعند زيادة سكان الدولة او السياح للدولة، ترتفع ايرادات ضريبة القيمة المُضافة. لذلك زيادة فرص العمل وجذب المقيمين تصب في زيادة الاستهلاك المحلي وزيادة مدخول الدولة من ضرائب المبيعات.
ضرائب الشركات
تحصل الدولة ضرائب محدودة على ارباح الشركات. وعند زيادة النشاط الاقتصادي ترتفع الارباح وضرائب الارباح. لذلك يكون من المنطقي رفع نسبة ضرائب الشركات. وتستطيع الدولة تقديم حوافز الاعفاء الضريبية للشركات عند بدايتها. ومع تطور العمل التجاري تلتقي مصالح الشركات والدولة. وتسعى الدولة الى مساعدة الشركات وزيادة ارباحها. وسيكون الاثر الأهم في زيادة الفرص الوظيفية مع توسع أعمال الشركات المحلية.
ضرائب الملكية
أقر مجلس الأمة في 2008 قانون رسوم الاراضي الفضاء بتكلفة 10 دنانير للمتر والاراضي التي تزيد على 5 آلاف متر مربع. ويستطيع المجلس القادم تعديل القانون لتكون الضريبة بنسبة مئوية وتحسب من القيمة السوقية للعقار. ومن المناسب ايضا تعديل المساحة المحصل عليها الضريبة لتكون 500 متر كحد أدنى. والهدف هنا هو الحد من ارتفاع أسعار العقار. وإيجاد مدخول مستمر للدولة مرتبط في تحسن الوضع الاقتصادي للدولة. وعند تطور الوضع الاقتصادي، ترتفع أسعار العقارات معها. ويجب التفكير في هذا القانون مع منظور السماح للأجانب بالتملك والإقامة الدائمة.
آخر مقالات الكاتب:
- مجموعة الشايع نموذج نجاح كويتي.. عالمي
- إدارة الأموال العامة وضبط المصروفات
- ملاحظات على إدارة الدين العام
- تطبيق دعم العمالة على جميع الشركات المحلية
- كيف ندمر ٣٠ ألف فرصة عمل؟!
- اقتراحات إضافية لمشروع قانون الإعسار والإفلاس
- كيف نخلق 25 ألف فرصة عمل سنوياً؟
- «من شراك باعك»
- هذه هي تحديات الكويت الاقتصادية
- وقع المحظور الذي حذَّرنا منه