هل أعمل مدير «إف بي آي» كومي حكم القانون كما هو مفروض وبحسن نية أم أنه تعسف في استعمال سلطاته القانونية حين أخبر أعضاء جمهوريين في الكونغرس عن أي إيميلات جديدة مرتبطة بالقديمة قد تدين المرشحة الديمقراطية الأوفر حظاً للفوز بالانتخابات حين استعملت هي أو مساعدتها هوما عابدين “سيرفر” خاصاً للأخيرة وزوجها المتهور جنسياً في مسائل قد تكون سرية لوزارة الخارجية! لماذا هذا الوقت تحديداً وقبل أيام بسيطة من الانتخابات الكبرى؟! أما كان من مقتضيات العدل والإنصاف أن ينتظر “كومي” حتى نهاية الانتخابات كي يكشف عن هذه الرسائل حتى لا يتهم بالانحياز لجانب “اليمين” الجمهوري وداعمي المرشح ترامب؟ أم أن الوضع قد يكون مقلوباً، وقد يفسر تراخيه بالكشف عن الرسائل لما بعد الانتخابات بالانحياز للديمقراطيين على حساب الحقيقة وحكم القانون؟! أخيراً، أليس “كومي” الموظف الرسمي الذي يتبع في النهاية الإدارة التنفيذية التي يمثلها في البيت الأبيض الآن رئيس من الحزب الديمقراطي وأقسم كومي أمام الرئيس أوباما حين تولى منصبه كمدير لجهاز إف بي آي…؟!
الأسئلة السابقة تطرحها الصحافة بالولايات المتحدة وبالعالم الغربي أو “العالم الحر” كما درجت الأدبيات بدولهم على تسميتها، لكن ماذا عن “العالم المر” كعالمنا العربي؟ هل يمكن أن نفكر ولو مجرد تفكير بمثل تلك الأسئلة؟! كأن يقرر السيد مدير المباحث الجنائية والسياسية وأمن الدولة (المستقل منصبه نظرياً على الأقل) مثلاً الكشف عن أوراق خاصة لمرشح لمنصب رسمي كبير أو مسؤول حالي مهم تدينه أو تثير شبهات حوله، كأن يقول “كومي العربي” إن هناك أكثر من شبهة حول هذا المسؤول الكبير عن تورطه هو أو أفراد من عائلته بصفقات مالية مشبوهة على حساب المال العام، وأن هذا المسؤول السياسي الكبير استغل منصبه ورتب عبر الرشا والمحسوبيات السياسية أوضاعاً تدعمه هو وذريته من بعده سياسياً لوقت طويل أو تزيد من ثرائه وثراء جماعات الانتهازيين والمنافقين التي تدور بفلكه.
وهل يمكن أن نتخيل وهذا مجرد خيال عابر في عالم الأوهام الوردي، بأن سلطات التحقيق باشرت في تحقيق ادعاءات “كومي ابن العرب” وتجردت في عملها، ولم تراع منصب هذا المسؤول الكبير ولم تنحز لجانب جماعاته المؤثرين (كلمة غلط أقصد المالكين) للقرار السياسي، وانتهت بتحقيقاتها وحسب نصوص القانون التي لم تكن ناقصة عند مفسريه بأن هناك أسباباً للاتهام، وبالتالي توجب المحاكمة القانونية…؟ هل يمكن أن نتخيل مثل تلك الأسئلة الساذجة؟ أم يستحيل حتى التفكير ولو بالخيال، فأهل السلطة في “العالم المر” يغتصبون حتى الخيال؟!
هل يمكن أن نفكر بمثل تلك الأسئلة؟ أم أن السؤال في هذا المكان هو بذاته خطأ عقلي، ففي عالمنا لا توجد أسئلة أبداً ويحظر السؤال وتصادر المساءلة، هناك إجابات مسبقة جاهزة تملكها وتحتكرها السلطات الحاكمة، كما تحتكر الحقيقة المطلقة بفرض وجودها، هي إجابات قاطعة دائماً وأبداً مستوحاة من إرث تاريخي اجتماعي وممارسة مستقرة، فلا سؤال ولا نبش بالمحرمات، ولا عزاء لكومي العربي.