على رغم مرور 26 عامًا على الغزو الصدامي للكويت في (الأول من أغسطس / آب 1990)، وهي الذكرى الأليمة التي لايزال يمتزج فيها الألم بالصمود ويتجدد موعدها يوم بعد غد (الإثنين)، لايزال صاحبي يبكي، ومنذ 26 عامًا، كلما تذكر شقيقه الأصغر وتذكر أكثر من 500 من أبناء الكويت (في سجل الشهداء)، ويحترق قلب صاحبي أكثر وأكثر كلما قرأ تغريدات وكتابات (بعض الأشقاء الخليجيين) في وسائل التواصل الاجتماعي وهم يترحمون (جماعيًّا) على المقبور صدام، دون أي اعتبار لمشاعر أهل الكويت الذين سفك ذلك الطاغية دماء أبنائهم.
هاهي الذكرى السادسة والعشرون للغزو الصدامي للكويت تعود حاملةً معها سجلاًّ مؤلمًا، وصفحة موجعة في تاريخ الأمة العربية والإسلامية التي تعيش أقسى وأسوأ وأبشع الأزمات من حروب وصراعات وإرهاب وفساد وطائفية، وعلى أن الكثيرين كانوا يوثقون غزو الكويت باعتباره (طامة كبرى) تستلزم استخلاص الدروس والعبر لصياغة مستقبل الأمة، إلا أن حال الأمة اليوم، وبعد قرابة ثلاثة عقود منذ زمن الغزو، هو عبارة عن نزيف دماء على أكثر من بقعة.
والمفارقة هنا، وفق واقع الحال والمشاعر والأحاسيس والتضامن والمشاركة الوجدانية وشعارات الجسد الواحد والمصير المشترك (….)، أن موضة الترحم (الاستفزازية) على المقبور صدام، والتي يمارسها عدد كبير من مديري وأصحاب حسابات التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية من الخليجيين، لم تضع أي اعتبار للكويتيين، في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الخارجية العراقية، في اليومين الماضيين، للمواطنين العراقيين التقدم بالمعلومات التي لديهم عن مدى معرفتهم بمواقع مدافن لأهل الكويت في أية منطقة من مناطق العراق، علاوةً على تقديم المعلومات بشأن أية وثائق أو مقتنيات تعود إلى دولة الكويت.
ملفُّ الأسرى والمفقودين على رغم مرور كل ذلك الوقت، لايزال حيًّا لدى جمعية أهالي الأسرى والمفقودين الكويتيين، ومنها فريق البحث الذي يترأسه المهندس فايز العنزي، وفي أكثر من لقاء وحديث مع العنزي، ثمة تأكيد على أن الفريق لم ولن يتوقف عن عمله ولا سيما مع الحصول على معلومات بين حين وآخر عن وجود مقابر جماعية جديدة في العراق تضم رفات أسرى الكويت، وهناك معلومات ووثائق تصل إلى فريق البحث تتعلق بالأسرى والمفقودين ما يجعل فريق البحث ماضياً في عمله، وقد يتعثر العمل بين فترة وأخرى بسبب الظروف والأوضاع الأمنية المتدهورة في العراق، إلا أن دولة الكويت لم تهمل ملف أسراها ومفقوديها (يصل العدد إلى أكثر من 600 بحسب بعض المصادر)، ممن أعدموا ودفنوا في مقابر جماعية.
إذن، التضامن العربي والخليجي والدولي مع ملف (الأسرى والمفقودين) يتأسس على محور القضية الإنسانية، ما يلزم أولئك الذين يتعمدون استفزاز أبناء عمومتهم بذكر وتبجيل من احتل بلادهم وسفك دماء أبنائهم والترحم عليه، ليس إلا من باب الهوس الطائفي المريض.
كل ذلك يعني أن دولة الكويت مستمرَّة في البحث عن (مدافن أبنائها) من جهة، واستعادة كل ما يدخل ضمن أملاك (الكويت كدولة ذات سيادة) من وثائق ومقتنيات وسجلات، فمرور ثلاثة عقود من الزمن لا تعني أن رفات أبناء البلد ذهبت أدراج الرياح وطويت في سجل النسيان، فلايزال هناك من أهل الكويت، على رغم علمهم باستشهاد أبنائهم، إلا أنهم ينتظرون عودة رفاتهم، تمامًا كما هي رفات أبناء العراق في المقابر الصدامية التي لاتزال تكتشف يومًا بعد يوم، ومن منطقة إلى أخرى.