لم تتقدم دولة في هذا العصر إلا بعد أن أشرق نور العقل فيها، وهذا النور بحاجة إلى الحرية. ولأننا لم نعرف الحرية يوماً، فإن التنوير، بالمعنى الغربي، لم يجد طريقه لمنطقتنا العربية الإسلامية، ولن تعرفه طالما أننا نرزح تحت كل هذا الكم الهائل من المحظورات والخطوط الحمراء التي تقيد العقل، قبل اليدين.
لقد تقدم الغرب، وبقية العالم، وبقينا على تخلفنا، على الرغم من أن قيودها كانت أقوى وخضوعها لسطوة وسلطة رجال الدين أكبر وأقسى، ولا تزال لبعضهم قداسة تشي بها تسمياتهم، وهذا ما لم تعرفه مجتمعاتنا. وبالتالي، كانت مهمة التنويريين الأوروبيين أكثر صعوبة لأنهم واجهوا رجال دين أضفوا على أنفسهم قداسة ترسخت على مدى قرون، ومع هذا أخفقنا في حملات التنوير الخجولة هنا وهناك، على الرغم من سهولة المهمة، نسبياً، بسبب بساطة وضع رجل الدين وتواضع دوره المؤسسي. فأغلبية الدول العربية، أو كلها، لم تعرف قداسة لرجل الدين، ومع ذلك نجحت منظمات أصولية في مقاومة التنوير وغلق الطريق أمامه، علماً بأن المنظمات الأصولية لا يديرها عادة رجال دين، بل سياسيون محترفون، كحسن البنا وسيد قطب وبن لادن، وغيرهم الكثير في الكويت من قيادات الإخوان المسلمين والسلف التاريخية، فهم غالباً الأقل معرفة بالدين، والأكثر معرفة بقشوره، ولكنهم أجادوا الدور، وحوّلوا الدين إلى وسيلة لتحقيق أهدافهم. كما نجح غيرهم في النفاذ لأعماق المجتمعات الإسلامية، معتمدين على مزيج من الشعارات الدينية السياسية الفارغة، علماً بأنه كلما خفت صوت المنطق والمعرفة، ارتفع مقابله صوت الخطاب الديني، الذي يسهل عادة وصوله لقطاعات واسعة من مجتمعاتنا، ليس فقط لسهولة لغة خطابه، بل وأيضاً لافتقار هذه المجتمعات إلى التربية الأخلاقية السليمة والمعرفة الكافية لتحديد الغث من السمين. وبالتالي، أصبحت المجتمعات العربية، الهشة ثقافياً وأخلاقياً وتعليمياً، لقمة سهلة للتيارات الدينية، التي اكتسحت كل تجربة سياسية أو انتخابية، وليصبح قادتها، على الرغم من سذاجة تفكير أغلبيتهم، يتقدمون الصفوف ويصبحون رؤساء على أكتاف الشعوب. وتجربة الحلاق الفلسطيني نصف الجاهل الذي نجح في الضحك على قيادات السنّة والشيعة والصوفية في الكويت خير مثال!
ويقول صديق، في وصف أحد «القيادات الدينية» إن تدينه الظاهر أدخله مجلس الأمة، فأصبح عضواً فيه. وبدعواته الصالحات حصل على أرض شاسعة من الحكومة تقدر قيمتها بمئات ملايين الدنانير والتمويل اللازم لتطوير تلك الأرض، ونجح في إيصال التيار الكهربائي للمشروع، على الرغم من كل مخالفات البناء فيه، ونجح في الحصول على مبالغ كبيرة نظير «خلوات» المحال والمكاتب، وأجّر حتى الأرض الفضاء حول المبنى!