يقول صديقي «ف . د» إنه بحلول سبتمبر القادم، يكون قد مضى على إقامته في الكويت دون انقطاع، سبعة وستون عاما، إلا لفترتين دراسيتين قصيرتين نسبيا. وأنه عاش في الكويت كل هذه الفترة، وترعرع فيها واتقن لهجتها وكون فيها مئات الصداقات الجميلة، وتزوج، ورزق بأبنائه فيها، وهم الذين لم يعرفوا غيرها وطنا، وصداقات، والتي تجاوز بعضها الأخوة والعائلة. كما ساهم خلال تلك الفترة في إدخال منتجات جديدة إلى الكويت وأضاف لها الكثير، وصدر منها للخارج، ونال حقه المادي والمعنوي كاملا. كما كان له دوره الحيوي، أثناء احتلال الكويت في التسعينات من قبل صدام وعصابته، سواء داخل الكويت، أو في كندا، التي رحل إليها خلال الاحتلال، حيث شارك في التعريف بقضية الكويت العادلة والمشاركة في مقابلات ومناظرات تلفزيونية مع كنديين واميركيين وعراقيين وفلسطينيين مدافعا عن استقلال الكويت ودحض الادعاءات بأنها كانت تابعة يوما للعراق، وأن الأمر انتهى به لتكوين فريق عمل تطوعي كندي جاء إلى الكويت لينتج فيلما وثائقيا بعنوان «الكويت.. بعد العاصفة»، والذي قدمه هدية من الشعب الكندي للشعب الكويتي.
بعد كل هذا التاريخ الحافل، والطويل من العمر، إلا انه لا يزال مجبرا للقيام بالزيارة السنوية التقليدية لوزارة الداخلية لتجديد إقامته، وأحيانا إهانته بالتعامل معه بخشونة، ومساواته مع أي قادم جديد! ويتساءل، هل هناك من يتبنى قضيته وقضية من هم في وضعه، وعددهم ربما لا يتجاوز العشرين بكثير، لإعفائهم من البهدلة السنوية، ومنحهم إقامة طويلة نسبيا، لكي لا نقول دائمة؟
ويقول إن هذا القرار سوف لن يكلف الدولة شيئا، فأمثال هؤلاء ليسوا بحاجة لأرض ولا لقرض ولا لعلاج يزاحمون فيه المواطن الكويتي، كما أنهم بغير حاجة لتعليم أولادهم، الذين كبروا. كما أنهم ليسوا بحاجة لعدس التموين الشهري ولا المعجون، بل هم بحاجة فقط لبعض التقدير والاحترام. انتهت المطالبة.
والآن، ما أهمية قضية أو حالة صديقنا هذا؟ قد يقول كثيرون، إن صديقنا هذا عمل في الكويت لعقد او عقدين أو ستة، وقبض مقابل عمله، وصرف على أسرته، ومن واجبه الآن ان يعود إلى وطنه، ويتقاعد ويرتاح، فيما تبقى له من عمر! وهذا صحيح بشكل عام. ولكن هل الوطن أين ولدنا، أم اين ترعرعنا ولقينا المحبة والاحترام؟
على المستوى الشخصي، لو عمل لدينا طباخ أو سائق لثلاثين او اربعين سنة، واراد التقاعد، هل سنرسله هكذا إلى بلده، ونقول له انت أخذت راتبا شهريا، وآن لك العودة إلى وطنك، لا نعرفك ولا تعرفنا، ام أن غالبيتنا ستتغلب عليه مشاعره الإنسانية ويكرم ذلك العامل، ويساعده وربما يبقيه معه إلى الأبد؟ شخصيا لن أتردد في عمل ذلك، وأعرف البعض الذي فعل هذا! فلِمَ تكون كويت الإنسانية اقل كرما وإنسانية من بعض مواطنيها؟