جاء خبر بالبنط العريض في الصفحة الأولى بجريدة الراي الآتي: صرخة نيابية لـ”أهل النخب”: كفاكم زجاً للشباب بالسجون… وفي الخبر “النصيحة والتحذير الأبوي” من آباء مجلس الأمة جاءت عبارة سبقتها “من خلال حضهم على ارتكاب الجرائم دون إدراك منهم لعواقب الأمور”!
أهل النخب المقصودون بالخبر هم النواب السابقون المعارضون لتفرد السلطة بحكومتها ومجلسها، فهؤلاء النواب لم يكن كافياً بحقهم إبعادهم عن شرف تمثيل الأمة عبر مرسوم الصوت الواحد قبل أعوام، أو من خلال التشريع الاجتثاثي الأخير الذي شرعه نواب صدى الصوت الحكومي الذي يحرم بعض النواب السابقين مثل السجين مسلم البراك والحربش من حقوق الانتخاب والتشريع مدى العمر عليهم الآن، حسب التحذير والنصيحة الأبوية، واجب مسؤولية الكف عن تحريض الشباب بوسائل التواصل الاجتماعي عن ارتكاب الجرائم الإلكترونية حتى لا تمتلئ السجون بهم حين يعبرون عن همومهم السياسية بعبارات من شأنها خرق قوانين الدولة، مثل قوانين الجرائم الإلكترونية وغيرها من قوانين البؤس التي شرعتها السلطة بمجلسيها التابع والمتبوع.
النواب الآباء الناصحون، مثل البابا الجيران والبابا اللغيصم والبابا خليل الصالح (كما ورد بخبر الراي)، من خوفهم وحرصهم على حرية الشباب يذكرون الشباب من الجنسين بتلك القوانين الرائعة، وينبهونهم بكثرة أحكام السجن في الآونة الأخيرة، وفي الوقت ذاته يؤشرون بأصابع الاتهام لـ “النخب السياسية التي تتصارع على العودة إلى المجلس النيابي، وليذهب الشباب إلى الجحيم…”.
يا ساتر من هذا الجحيم، لكن أي جحيم الذي يتحدث عنه الباباوات الثلاثة، ومن أوقد ناره؟ هو جحيم سحق الحريات، وقمع حريات الضمير، الذي، إن لم يكن أنتم قد خلقتموه بداية، فقد أكملتم بناءه ونفختم على ناره في مجلسكم اللامبارك. لم تكن المجالس السابقة بصفة عامة مجالس تؤسس وتشرع للحريات بفضل الثقافة الشعبوية المحافظة، كي نكون منصفين، إلا أنها أيضاً قدمت قوانين أحياناً تحسب لها وللوطن، على سبيل المثال، قصر مدة الحبس الاحتياطي، وكانت تلك المجالس صوتاً قوياً لقضايا مناهضة الفساد، حتى أتى مجلسكم المهيب، وركن جانباً قضايا الفساد السياسي، وتفرغ للقيام بدور الترزي لجلباب الحكومة أحياناً، وانتصب كي يكون ملكاً أكثر من الملك في أحايين أخرى، مثلما حدث في تشريع الاجتثاث السياسي للمعارضين.
وبدل أن يقوم هؤلاء “الباباوات” بالعمل لنقد ونقض القوانين المكبلة لحريات الضمير التي شرعوها مع زملائهم، مثل قانون المدونات، نراهم يلقون باللوم الجارح على نواب المجلس المبطل المعارضين، الذين لا حول لهم ولا قوة في صياغة تلك التشريعات السوداء، ويتهمونهم بأنهم يحرضون الشباب على “جرائم الرأي”، وهي جرائم حسب مدوناتهم التعيسة فقط، بينما تعد هي من أبسط ممارسات حقوق التعبير… هنا أيضاً، يلصق الباباوات، تهمة القصور الفكري ونقص الأهلية العقلية بالشباب المنتقدين (أيضاً من الجنسين كما يريد نواب الحريات) بعد أن اعتبروهم أطفالاً قصر يتلاعب بعقولهم نخب النواب السابقين! كلمة عيب كبير نقولها لباباوات المجلس، فليس الشباب الحر من هم بحاجة إلى حملة توعية للجرائم الإلكترونية كي تمارسوا أنتم سلطة الوصاية عليهم، أنتم ومن معكم من هم بأمس الحاجة إلى توعية بقضية حريات الضمير، وكم هي بعيدة عنكم.