لا شك أن السفر صار ظاهرة تلازم الكويتيين. وعلى الرغم من أنها حالة إنسانية، فإن الكويتيين تميزت ظاهرة أسفارهم بالتعدد والتنوع والالتقاء بالغربة، بل إنهم جابوا بقاع العالم منذ القدم بأسفارهم التجارية والبحرية إلى أسفارهم السياحية والترويحية والدراسية منذ أربعينات القرن الماضي وحتى اليوم، ولديهم قدرة فائقة على إطلاع الآخرين على تجاربهم في السفر، وهو ما تولدت عنه ظاهرة أخرى هي تقاطر الكويتيين وتجمعهم في بلدان وبقاع محددة في العام، كما هي الحال في تجمعهم بلبنان بمناطق الجبل التي كانت مركزاً لأسفارهم وتجمعهم، وقد اشتهر عنهم تجمعهم في دول محددة ومناطق معينة وصارت ظاهرة ملحوظة.
والسفر بكل أبعاده حاجة إنسانية مهمة ومفيدة، ولعل وصف الإمام الشافعي له بشعره الشهير دلالة واضحة، حيث يقول:
تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلى
وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ
تَفَرُّيجُ هَمٍ وَاِكتِسـابُ مَعيشَـةٍ
وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِـدِ
ولعل تفريج الهم، وهو ما نطلق عليه سفر السياحة والاستجمام وطلب الراحة، هو الغاية الأساسية من معظم أسفار الكويتيين، ولكن السؤال: هل حقا سفر معظم الكويتيين يحقق تفريج الهم ويؤدي إلى الراحة والاسترخاء والاستمتاع بالسفر؟
في تقديري الشخصي الإجابة هي لا، فطبيعة أسفار الكويتيين تجدها خالية من المتعة في معظم مراحلها، بدءا من التحضير للسفر الذي يعيش أصحابه بقلق وهم ترتيبات السفر، وغالبا ما يؤدي إلى التوتر داخل الأسرة، وهو عكس المقصود من السفر، ثم تجد هم وقلق البرنامج المزدحم ومحاولة عمل العديد من الفعاليات والبرامج التي يؤدي تعددها وتلاحقها إلى حالة من الإرهاق والتوتر بدلا من الاسترخاء والمتعة، والتسابق والتنافس في مظاهر اللباس، كما تأتي ظاهرة التسوق المرهق بدنيا وكأن الهدف من السفر هو ذاك، أما الأبناء فغاية سفرهم هو الترفيه الملح والمستمر الذي بدوره يشكل إرهاقا ومللا للاهل، وتصبح العودة إلى الديرة مطلبا ملحا، أما متعة السفر الحقيقية، التي أشار إليها الإمام الشافعي بتفريح الهم وكسب المعرفة، فهي غاية غير متحققة، بل ليست مرجوة ولا مخططا لها على خلاف النمط الذي نراه في سفر الغربيين، حيث الاسترخاء والمتعة غاية أساسية في أسفارهم واكتشاف مناطق جديدة لهذه الغاية، ومن هنا نجد سفر الكويتيين للمدن الرئيسية والعواصم بدلا من المناطق السياحية والأرياف.
ففي بريطانيا تجد أن الريف الإنكليزي متميز في بث الإحساس بالهدوء والراحة، بل وفي تنوع أبعاد الطبيعة، فهو ممتلئ بالخضار والأنهار والبحيرات ومناظر الطبيعة الخلابة لغابات وغيرها، ولكن على الرغم من التردد الكبير للكويتيين على بريطانيا ومثلها أوروبا، تجد أنهم لا يستمتعون بهذا الريف، فهم يرتادون الفنادق الكبيرة والقهاوي والأسواق والتجمع فيما بينهم كما لو كانوا في الكويت، وتلك الأمور ليست حالة خاطئة، لكنها حتماً تفوت متعة السفر والاستمتاع بالريف الإنكليزي مثال لذلك فهذا الريف هو الذي يعيد الشخص مسترخيا ومجددا حيويته التي أنهكها العمل أو الالتزامات الاجتماعية أو الروتين الأُسَري المرهق، فهلا عشنا متعة السفر.