واجهت تركيا العسكر: شرعية السلطة تحكمها صناديق الانتخابات.. وعلى البندقية ألا تشق عصا الطاعة!. وكأن شراسة تركيا في إجهاض الانقلاب العسكري تعيد شريط الماضي بمشهد الانقلابات، تلك التي جعلت من تركيا ثكنة عسكرية. وقد أطاح الجيش بالحكومات التركية المختلفة أربع مرات بين 1960 و1997، جميعها بعواقب وخيمة. لكن اثنان منها أديا لتغيير الحكومة، دون سيطرة الجيش على مقاليد الحكم. إلا أن فشل انقلاب الجمعة قد يعني تحولا في مشهد السلطة في تركيا منذ عقود، لا سيما في مسألة الجيش. هناك عديد من النظريات حول من يقف وراء هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة. بعضها يشير إلى الرئيس أردوغان نفسه بأنه انقلاب مزيف أراد من خلاله كسب المزيد من السلطة وإجراء تغييرات ملحة. ولكن المنطق يشير إلى أن الحدث أبعد ما يكون عن انقلاب مزيف. والأبرز أن قطاعات رئيسة في الجيش التركي رفضت الانقلاب ما ساعد في إفشال المحاولة. في الحقيقة لا يهم من خلفه، ولكن انقلابا عسكريا هو آخر شيء تحتاج إليه تركيا في الوقت الحالي مع تمرد الأكراد والوضع السوري وتهديدات الإرهاب. المنطقة تمر بصراعات دامية والانقلاب لن يكون بأقل من المشهد الموازي. وأردوغان الآن أمام امتحان القوة الحرج.
الأسابيع الماضية تركية بامتياز. توالت المانشيتات التركية في وسائل الأخبار منذ أن أعادت أنقرة مرة أخرى علاقاتها الكاملة مع إسرائيل، بوساطة أمريكية. وكانت العلاقات بين الطرفين قد تدهورت في أعقاب حادثة أسطول الحرية والسفينة المبحرة ناحية غزة عام 2010. يوم واحد فقط من هذا الخبر، حين قدم أردوغان اعتذاره للحدث الروسي التركي، إثر إسقاط الطائرة الروسية الحربية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، التي أدت إلى عداء وقطيعة. لم يكن اعتذارا بل مرونة مختلفة مع القيصر الروسي وهو نفسه المرحب. هذه المرونة أظهرت تنسيقا واضحا من الطرفين في شؤون مختلفة. أيام فقط حتى انشغل الناس بأسوأ حدث إرهابي في مطار إسطنبول. تفجير انتحاري إرهابي تسبب في مقتل العشرات وجرح المئات. انتهجت على أثره تركيا تعاملا أكثر جدية واندفاعا ضد “داعش”. كان الأمر أشبه بثورة دبلوماسية في الأسابيع الماضية في إصلاح العلاقات المتوترة مع كل من روسيا ومصر وإسرائيل حتى إحياء العلاقات مع سورية. وكان يبدو أن تركيا تعود بقوة متسارعة لفك عزلتها الجغرافية. تلك العزلة التي أسهمت الثورات العربية بنسجها، بسبب السياسات التركية تجاه مشروع الإخوان الصاعد حينها.
لا شك أن أحداث الأسابيع المنصرمة أبرزت سياسة خارجية جديدة متسارعة أكثر مرونة مع المحيط الجغرافي. لكن لا بد أن هذا الانقلاب الفاشل سيخلف تبعات على السياسة الداخلية التركية، وعلى الداخل والاقتصاد التركي أيضا. فهل يشغل أو يؤثر هذا الحدث الداخل التركي عن السياسة الخارجية بطريقة ما؟ خصوصا مع اتهام تركي لأمريكا بدعم الانقلاب ومطالبتها بتسليم المتهم فتح الله جولن المقيم في أمريكا.. وهي مطالبات تتجدد بعد محاولات سابقة. هذا الحدث يأتي وتركيا تستعد لدور اللاعب مجددا بين روسيا وأمريكا. فهل تكون تركيا قبل الانقلاب الفاشل هي نفسها بعده؟ الأحداث ستكشف المزيد.