ربما كان قرار تركيا بإعادة ترتيب علاقاتها بالكيان الصهيوني وروسيا قد أصاب الكثيرين بالصدمة وخيبة الأمل، بعد أن تصدرت تركيا في السنوات الأخيرة قائمة المناهضين للسياسات الإسرائيلية، وقائمة المدافعين عن القضية السورية، وعلى النقيض من الموقف الروسي.
حتى نخفف من وقع الصدمة، التي قد تسبب الحرج لبعض المغرمين بالسياسة التركية، علينا أن نفهم طبيعة الحزب الحاكم في تركيا ومنطلقاته، وخلفية الأحداث التي جعلت الحكومة تتخذ تلك المواقف المتباينة في سنوات قليلة، وبالإمكان توضيح ذلك في نقاط عدة:
1 – حزب العدالة والتنمية حزب تركي وطني علماني، تحدد سياساته بالدرجة الأولى مصالح تركيا، ويسعى إلى أن تكون تركيا قوة اقتصادية عالمياً، وأن يكون لها دور إقليمي مؤثر في المنطقة.
2 – تركيا من أولى الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني، وعندما تأسس حزب العدالة والتنمية الحاكم وطرح برنامجه، لم يكن فيه ما يشير إلى أنه مناهض لوجود إسرائيل. بل بالعكس من ذلك، فقد تميزت العلاقة بينهما لسنوات عدة، إلى أن جاءت حادثة «سفينة مرمرة» عام 2010، التي كانت سبباً في توتر العلاقات، حتى وصلت إلى ما يشبه القطيعة، وفي الشهور الماضية جرت مفاوضات وتفاهمات من أجل إزالة أسباب التوتر، وإرجاع العلاقة كما كانت قبل حادثة مرمرة!
3 – اتخذت تركيا موقفاً منحازاً للربيع العربي، اعتقاداً منها أن نجاحه سيعزز من دورها ومصالحها في المنطقة، ولكن بعد نجاح الثورة المضادة، وبتواطؤ دولي، أصبحت تركيا محاصرة، وشبه وحيدة في الساحة، في ظل فشل العرب في إدارة ملفاتهم، وأصبحت مصالحها وأمنها مهددة بالخطر. لذلك، كان عليها أن تعيد مراجعة علاقاتها الخارجية بما يعزز مصالحها، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية.
4 – لا يمكن إنكار المواقف التركية المشرفة، من دعم بعض القضايا العربية والإسلامية العادلة، كحصار غزة واللاجئين السوريين وغيرهما، ولكن يجب أن نضع في الحسبان دائماً أن المصالح التركية لها الأولوية في أجندة الحزب الحاكم على أي قضية أخرى.
5 – باعتقادي أن المتسبب في الضجة والإثارة العربية حول سياسات حزب العدالة والتنمية، التي من الطبيعي أن تتسم بالبراغماتية، أربعة أطراف:
الأول: العرب المتعاطفون مع أردوغان، خصوصاً الإسلاميين، الذين بالغوا في رسم صورة حالمة، بدلاً من عرض الصورة في إطارها الموضوعي، ومعطياتها الواقعية.
الثاني: العلمانيون العرب الذين تستفزهم أي فرصة يمكن أن تصب في مصلحة الإسلاميين، فجعلوا من أردوغان وحزبه مادة للمناكفات والمهاترات مع خصومهم التقليديين.
الثالث: أنصار الثورة المضادة الذين يزعجهم أي نموذج ديموقراطي تعددي ناجح في المنطقة.
الرابع: المتعاطفون مع النموذج الإيراني، والمتحمسون لتمدده في الفراغ العربي.
هذه الأطراف تجعل من أردوغان وحزبه قضية ساخنة ودائمة الحضور، تتسلى فيها ساحة الإعلام العربي بدلاً من الالتفات بجدية لقضايا العرب المصيرية!