أخذت تصريحات رئيس الوزراء التركي الجديد «بن علي يلدريم»، بشأن السياسية الخارجية التركية الجديدة صدى كبيرا، وخاصة المتعلقة بعودة العلاقات الطبيعية بين بلاده وروسيا وإسرائيل والعراق وسورية.
بإمكاننا ان نتفهم حرص الحكومة الجديدة على عودة العلاقات التركية مع اسرائيل وكذلك روسيا والعراق، ولكن ما لا نفهمه في تصريحه هو دعوته لعودة العلاقات مع النظام في سورية!!
كانت تركيا ومنذ بداية الثورة السورية تقف بجانب الشعب السوري وضد النظام حتى أنها قطعت علاقاتها الديبلوماسية معه.
بالرغم أن رئيس الوزراء الأسبق داود أوغلو صاحب نظرية في السياسة الخارجية تدعى بـ «صفر مشاكل»، تقوم على تصفير «حل» المشكلات مع جميع الأطراف الدولية، وصاحب رؤية سياسية شاملة أوردها في كتابه «العمق الاستراتيجي» والذي يدعو فيه تركيا لتوظيف موروثها التاريخي والثقافي للعب دور مؤثر في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطي لتشكيل نفوذ سياسي لها، واعتبره بعض المراقبين بمنزلة الرد التركي على أوروبا التي مازالت مترددة في إدخالها اتحادها.
لو افترضنا ان السياسة الجديدة هي تطبيق لنظرية تصفير المشاكل، لكان عودة العلاقات التركية ـ المصرية هي الأولى في المراجعة من العلاقات مع النظام الاجرامي في سورية.
ولكن يبدو ان السلوك السياسي التركي الجديد جاء استجابة لضغوط أميركية مورست ضد التوغل التركي في المنطقة ومحاولتها للعب دور سياسي أكبر من حجمها الطبيعي تطبيقا لنظرية أوغلو في كتابه «العمق الاستراتيجي».
هناك خلاف استراتيجي بين الولايات المتحدة وتركيا، حيث تنادي أميركا بضبط الحدود التركية، ولكن دون منطقة آمنة ومنزوعة السلاح والتي تنادي بها تركيا منذ بداية الأزمة، حيث تهدف تركيا من المنطقة الآمنة بجانب حماية المدنيين السوريين أيضا إلى ضمان عدم تنامي نفوذ الأكراد على تخومها، بينما لا تعارض أميركا تعاظم نفوذ الأكراد بل وتتعاون معهم.
من المفارقات في الأزمة السورية ان الولايات المتحدة تدعم وحدات حماية الشعب الكردية YPG والذي يعتبر الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي PYD وهو الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني ppk الذي تصنفه الولايات المتحدة بأنه تنظيم إرهابي والتي تعتبره تركيا عدوها الاول.
سياسة أميركا المعلنة في تعاملها مع الأزمة السورية، هو انها لن تشارك بقوات برية على الأرض، فبالتالي سعت إلى إيجاد حليف لها في سورية، ولذلك اعتبرت الولايات المتحدة أن قوات حماية الشعب الكردية هي بمنزلة القوة الأرضية التابعة لها، فقامت بمدهم بالسلاح والمستشارين والدعم الجوي لعملياتهم.
وتبرر الولايات المتحدة سياستها مع الأكراد في سورية، باعتبارهم القوة الوحيدة الموثوق فيها هناك والقادرة على محاربة «داعش».
ولكن يبدو أن السبب الحقيقي للدعم الأميركي للأكراد وتعزيز وجودهم في الشمال السوري هو لضمان قطع الامدادات من تركيا عن قوات المعارضة السورية ومن ثم التحكم في بعض خيوط اللعبة الدولية القذرة في سورية.
ختاما – تهديد تركيا بالوجود الكردي على تخومها والذي يؤجج حماس اكراد تركيا ويعزز موقفهم بالانفصال، كل هذا السياسات الأميركية تهدف لتحجيم الدور التركي الطموح في احداث المنطقة، ومنها ورقة دعم المقاومة السورية.
الخلاصة: الأتراك في متاهة الثورة السورية فقدوا بوصلة سياستهم الخارجية وخصوصا بعد استقالة اوغلو منظر السياسة الخارجية، وسيخسر الأتراك الشعب السوري ومن يدعمهم من العرب اذا هم أعادوا علاقاتهم الديبلوماسية مع النظام السوري، كما خسروا الروس واسرائيل سابقا، وكما فشلوا في التعامل مع الأميركان، انها ضريبة لعب دولة متوسطة القوة لأدوار دولية كبيرة.