إذا أردت أن تعرف كم هو الدم العربي والمسلم رخيص، فيكفيك أن تلقي نظرة عامة على الخريطة العالمية وطريقة التعاطي مع الأحداث الدموية في مختلف المناطق الجغرافية، فمنذ ما يعرف بعهد النظام العالمي الجديد الذي بدأ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، أصبح العرب والمسلمون هم العامل المشترك في مختلف مواقع العنف والصدام في العالم في شرقه وغربه، بدءاً من الشرق الأدنى وانتهاءً بأميركا الجنوبية.
إذا استثنينا عصر الحرب الباردة كساحة للحرب والقتل والتشريد، وتجاهلنا حجم الدمار والخسائر البشرية، باعتباره حقبة زمنية طويت من فترة طويلة، نجد أيضاً حروباً ونزاعات في مختلف المناطق مثل كوريا وفيتنام وأميركا الوسطى، لكن العرب والمسلمين شاطروا تلك الدول ويلات العنف بمعناه الكارثي، حيث الانتكاسات في الحرب الهندية الباكستانية، ثم تصفية الفلسطينيين في الأردن ولبنان مروراً بالحروب العربية- الإسرائيلية وانتهاءً بالحرب العراقية الإيرانية والغزو العراقي للكويت.
بمعنى أن العرب والمسلمين هم وقود الحروب الطاحنة في العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى الآن، وربما في اتجاه تصاعدي في المستقبل، أما حجم الخسائر البشرية والمادية فلا يمكن تقديرها، لكنها بالتأكيد الأكثر فداحة في التاريخ المعاصر.
أما قيمة الدم المسلم فتحددها ردود الفعل العالمية التي لا تنبس ببنت شفة على نصف مليون قتيل في سورية ومثلهم في العراق، في حين تقوم القيامة الإعلامية عند خطف ونحر صحافي أميركي أو ياباني أو عندما يفجَّر ناد ليلي في باريس، رغم البعد الإنساني الحزين والمؤلم في هذه الحوادث أيضاً، لكن لا تجد الاستنفار السياسي واجتماعات القمة ودور الأمم المتحدة نفسها وبالمستوى المطلوب والعادل في قضايا العرب، ناهيك عن التدخلات الخارجية لوأد أية مساع لتطويق الأزمات العربية، كما حدث في حوار جنيف بين السوريين وفي المباحثات اليمنية في الكويت.
على من تقع اللائمة؟ هذا السؤال المحيّر هو الذي يزيد القضية تعقيداً، فإذا كنا دائماً نلقي بالمسؤولية على الدول الأجنبية أو وفق اصطلاحنا الاستكبار العالمي كسبب وراء معظم بلاوينا، فاليوم من يتحمل هذا الوزر الآثم؟ يبدو واضحاً أن المشكلة فينا وبيننا، فالعرب يقتلون بعضهم وبإشراف حكومي مباشر، أو أنهم قبلوا بأن يتحولوا إلى أدوات بأيدي الغير، والأموال التي تنفق اليوم على حروب المنطقة هي أموال هذه الشعوب العربية ولم تأت من بنوك أوروبا أو أميركا، والعقيدة الحربية التي تدير هذا العنف المنظم والذي تحول إلى إرهاب متسلسل هي أيديولوجية يزعم أدعياؤها أنها مستمدة من ديننا وثقافتنا ظلماً وزوراً!
البعض يرفض أن الدم العربي رخيص بهذا الشكل، فما أنفقه العرب على التسلح منذ عام 1991 تجاوز 2.5 تريليون دولار، ولكن لم تطلق أية رصاصة من هذه الترسانة الرهيبة لمقاتلة العدو، إنما لقتل العرب أنفسهم وبأيديهم، فإذا كان عدد القتلى من الشعوب العربية قد وصل إلى مليون قتيل خلال العقود الثلاثة الماضية فإن كلفة القتيل الواحد وفقاً للإنفاق العسكري العربي خلال الفترة نفسها تساوي 250 مليون دولار!