كنا نتعجب، وكانت حواجبنا ترتفع دهشةً، كلما تناقل الناس حديثاً لنائب في هذا البرلمان المزيون، يقول فيه، وهو بين أصحابه ومريديه: “قمت بتعيين فلان وفلان، واستطعت توظيف ذلك العدد من أبناء الدائرة”. وكان يحرص على بقاء الخبر طي الكتمان. وكنا نعلم أن ما يحدث خلف الكواليس، أو خلف صفحات الصحف، أكثر بكثير مما يقال. لكننا كنا ننظر إلى الأمر كما ننظر إلى الطالب البليد الذي يستعين ببرشامة صغيرة يخفيها في كم قميصه ليستعين بها في حل الأسئلة والنجاح.
وفجأة تحول الأمر إلى مبارزة علنية بين النواب، في الميدان العام، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، من منهم يمنح مفاتيحه الانتخابية وأقرباءه ورواد ديوانيات دائرته مناصب فاخرة! فقد أدرك النواب أن “السالفة مكشوفة”، والمجد لمن يحصل على أكبر الغنائم في موسم توزيع الغنائم، فلماذا يخفون أسماءهم ومجهوداتهم، إذاً؟ هم لم يدعموا هذا الوزير، أو ذاك، في الاستجواب، إلا من أجل أمور كهذه. هم لم يسكتوا عن كل هذه الفوضى الشاملة في مرافق الدولة إلا من أجل تعيينات مثل هذه. هم لم يصفقوا للحكومة ويمتدحوها، رغم انحدار البلد في جميع المؤشرات العالمية، إلا من أجل مكاسب مثل هذه.
هم لم يسكتوا عن انهيار التعليم، بشهادة العالم أجمع، ولم يصمتوا عن انهيار البنية التحتية، وتآكل البلد، ولم يدافعوا عن الفشل الإسكاني، ولم يحموا الدمار الصحي، ولم يفعلوا أكثر من ذلك، إلا من أجل لحظات كهذه. ولسان حالهم يردد كلام ذلك التونسي الثائر الحر: “هرمنا من أجل هذه اللحظة”.
فيا أيها الناس، خففوا اللوم عليهم، وأعيدوا حواجبكم المندهشة إلى قواعدها سالمة، فهؤلاء يسيرون مع الهواء وفي اتجاه التيار، والتيار في هذا الزمن يقول: “افصخوا الحياء عن وجوهكم واجمعوا الغنائم، فالدار أمان. لكن لا تنسوا التطبيل لنا، وادعاء المظلومية والوطنية، وتحميل المعارضين أثقال الفساد”… يا أيها الناس، وفروا الدهشة لبجاحات الأيام المقبلة.