كتب صحافي عراقي، بعد تفجيرات الكرادة الإرهابية التي أودت بحياة نحو 300 عراقي في رمضان، يقول: لا بواكي على العراق. كما انتشر أخيرا مقطع مرئي مؤثر لشاب عراقي شيعي أمام كاميرا إحدى المحطات العراقية. كان الشاب الذي خسر أرواحا من ذويه وأصدقائه منفعلا غاضبا بين رفاقه الذين بدوا مؤيدين لما يقول عن حال العراق بين الطائفية والفساد، في ظل رجال الدين والسياسيين المتنفعين. وهذا بلا شك حال كثير من العراقيين، تؤكده المظاهرات الكثيفة ضد الفساد والتدخل الإيراني. السيادة الوطنية للعراق مسألة مقلقة للعراقيين كما للمنطقة، فإيران، وفي حومة الصراع الجريء، تحاول أن تصنع من العراق بعدها الاستراتيجي على المستوى الجيوسياسي والعسكري. هو الأمر الذي أدى إلى تأزم الواقع العراقي، وأسهم في تدمير بنية الدولة، وأثر في التنوع الهوياتي في العراق.
التدخل الإيراني في العراق هو بطبيعة الحال ضياع الفرصة بإقامة دولة مدنية، ولا بديل متوافرا، بسبب تركز رؤوس الأموال السياسية لدى المليشيات ورجال الدين/ السياسيين. تصدير الثورة الإيرانيّة للعراق والمنطقة؛ الهاجس القديم، لذا فقد جاءت «داعش» الورقة الرابحة، لا سيما مع غياب الحلول العملية. هدف إيران الأبعد هيمنة الطائفة على كل المقدرات، يرافق ذلك حلم التوسع وتأسيس إمبراطورية فارسية على حساب العراق. العراق العربي حضارة وثقافة وهوية متجذرة مزدهرة بإنتاج مثقفيه وعلمائه وتكنوقراطييه. لكن العراق فقد أكثر من مليون إنسان بسبب الطائفية وما زال، الأمر الذي بدأ يؤثر في الحالة الاجتماعية للتركيب الديموغرافي العراقي. كما يؤثر بشكل مريع في الجانب الاقتصادي. هو العراق الذي يملك أحد أكبر احتياطي للنفط في العالم، عوضا عن موارده الغنية المتعددة. إلا أن ثروات العراق تذهب لمشاريع إيران، أو جيوب بعض الفاسدين. حتى الدعم الإيراني مقدم للحشد الشعبي، وليس للمؤسسة الرسمية الممثلة بوزارة الدفاع. ما يعني تدمير المؤسسة العسكرية، وبالتالي تقويض مفهوم الوطنية.
الولاءات في العراق ينظمها ويقودها غالبا رجال الدين، لا سيما في الريف، فالريف العراقي يؤثر أكثر من المدينة. الأمر الذي يقود إلى تصاعد مستوى الكراهية الطائفية بين فئات المجتمع العراقي ذات الأصول الدينية المتنوعة. ولا شك أن التاريخ أثبت فشل كل الأحزاب الدينية شيعية وسنية. والقيادات الدينية السياسية الشيعية الحالية تخضع لمرجعية المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي من خلال الفتاوى والقرارات. لذا يغيب الصوت العراقي الواضح. ولا شك أن رجال الدين يملكون السلطة الدينية والإرادة في تحويل إرادة الجماهير، وإمساك دفة الصراع السياسي. وبسبب ضعف البرنامج السياسي الواضح، فإن معظم السياسيين الحاليين خرجوا من معطف المؤسسات الدينية.
بطبيعة الحال، الإدارة السياسية في العراق حصيلة محاصصة، لذا فلا يبدو أن لبناء العراق وأجهزة الدولة أولوية. وقد جاء بالقيادات لمقاعد البرلمان حشد من مختلف الطوائف. لذا فالطائفة أداة لجذب الناخبين. والطائفيون وللمفارقة لا يخدمون طوائفهم، بل مصالحهم الطائفية، بتحويل المجتمع إلى قطاعات تابعة لكتل سياسية وليس إلى وطن واحد. كما أن بعض الأحزاب الشيعية التي هيمنت على الإدارة السياسية والعسكرية غير مستقلة، وسياستها تجاه المكون السني ضبابية، وقد تكون طائفية بوضوح. هناك خروقات أمنية وسياسية تسببت فيها إيران، وتدخلها في العراق يعتبر خارج نطاق الأُطر السياسية والقانونية. لقد بدأ يتجاوز مفهوم التعاون لمفهوم الاحتلال. والتظاهرات العراقية العامة، والشيعية منها على وجه الخصوص لها وجه باطن وهو مناهضة ولاية الفقيه، التي تؤطر مفهوم الاحتلال. والحقيقة أن لا بد أن يبكي العراق أولا أبناؤه. العراق ـــ الشعب ـــ الحر من مختلف الطوائف له صوت مدني وطني، ولا بد أن يحيا.