وداعا صاحبة الجلالة.. كان هو المقال الأخير للأخ العزيز الكاتب الكبير سامي عبداللطيف النصف، والذي احزنني كثيرا، ولم استطع أن اتقبل رحيل حروفه ما جعلني اكتب هذا المقال.
للأمانة.. بوعبداللطيف هو ليس مجرد كاتب بقدر ما هو مفكر ومعلم ومحلل لخفايا الأحداث ودهاليزها الراهنة والمستقبلية، حتى اننا دائما ما نتعلم منه المنطق والحجة والقدرة على الإقناع، ناهيك عن احترامه للرأي الآخر، وتكييف فلسفة الديموقراطية الحقيقية التي نطمح اليها.
بوعبداللطيف «الله يحفظه» كان ومازال يعد ابرز مرجع سياسي وثقافي واجتماعي على الساحة سواء على المستوى المحلي او الإقليمي، فعندما نقرأ كتاباته نجدها غنية بالثقة، والتمكن من شرح الأحداث ومعالجتها بطريقة عقلانية تتناسب مع الواقع، وأجمل ما في قلمه أن منطقه لا يعتمد على الشو الإنشائي كغيره من مدعي الثقافة والمعرفة، ففي كل جولاته تجده يسطر لنا الحقائق بالأدلة والبراهين والمنطق والعقل بعيدا عن أي تأثيرات شخصية وشخصانية، وهذا ما جعل قلمه حرا على مدى أربعة عقود من الزمن.
في كل حروفه التي يكتبها تجد الدعوة للوطنية حاضرة والدعوة إلى التمسك بوحدتها هي من أبرز أهدافه، والجميل خطه المتمكن في تقديم النصح لأصحاب القرار، والذي دائما ما يتسم بالصدق والعقلانية والرقي بعيدا عن وقاحة التجريح التي نراها اليوم تتسيد الساحة، حتى اذا نظرنا إلى خطابه إلى المجتمع نجده ينطلق بصراحة متناهية حتى أنه يهتم برسم لوحته بريشة وطنية تحمل وتجمع جميع أطياف المجتمع من دون تمييز، لم أجده يوما من دعاة المصالح، وأخلاقه تحكي واقعه فرغم ما تعرض له من ظلم، لم يلجأ الى وسيلة الانتقام من اجل مصالحه الشخصية، لأنه مؤمن بأن الوطن أهم ممن ظلموه، وكانت جولاته لكشف الحقائق تأتي بنشر الأدلة وبالوسائل القانونية لاسترداد حقوقه من دون بهرجة في نقل المظلومية لساحة المعركة، وهذا ما يؤكد على احترامه لدولة المؤسسات والدعوة لثقافتها.
تعلمت منه كمتابع وقارئ، المنطق والرقي في الكتابة، وكسبنا منه الثقافة وأسلوب احترام الآخرين ممن يختلفون معه، وأدركنا منه واقع الثقة في الحوار، فضلا عن استمراره في الدعوة الى التعزيز للروح الوطنية واهتمامه بضرورة التطوير المجتمعي على جميع المستويات، فمن قلمه نأخذ الرأي والمنطق والتاريخ والعبرة والحلول.
أخيرا.. أرجوك يا «بوعبداللطيف» ألا تمنع القراء من فكرك وقلمك الرائع، فالكتابة رسالة نحتاجها في هذا الزمن اكثر من اي وقت مضى، فاعلم أن فكرك اصبح حقا من حقوق القراء وحقوق الوطن.. فننتظر عودة قلمك الراقي.. لنفرح.