نصف الأمة مشغول بالبحث عمن يقف خلف «داعش» ويموله، ويسلحه، والنصف الآخر سلم بنظرية المؤامرة، فأراح نفسه، وعقله. حتى المفكرون من وزن تركي الحمد قالوا إن من المهم أن نعرف من يقف وراء «داعش»، فهذا سيسهل القضاء عليه!
هذه حال الأغلبية، وفي الحالتين هم على خطأ، أو على الأقل لا يهم إن كانوا على صواب، فالمسألة لا تكمن في من يقف وراء «داعش»، ولا لكوننا، منذ اتفاقية سايكس بيكو، نتعرض للمؤامرة تلو الأخرى لتقطيع أوصالنا، بل المسألة اكثر بساطة. فـ «داعش» ليس نبتا شيطانيا، وليس حالة تاريخية منفردة، فقد سبقته حالات مماثلة كثيرة، اختفت لسبب او لآخر، ليأتي اليوم «داعش»، وليكمل التجربة، لأن الفكر الذي يقف وراءه، وليس الدولة، لا يزال حيا، ويدرس في مدارسنا.
فلو افترضنا أن إيران أو تركيا أو إسرائيل أو أميركا أو أي دولة أو مجموعة هي التي تقف وراء «داعش»، فهل سيخفف هذا من توحش «داعش» ويقلل من هجماته الانتحارية وتفجيراته الدموية؟.. لا طبعا.
وعليه، فإن المشكلة لا تكمن في من يقف وراء «داعش» ويغذي إجرامه، على الرغم من أهمية الأمر النسبية، بل في الفكر الذي ينهل منه والذي يدفع بالعشرات، لا بل بالآلاف للالتحاق به! فوقود «داعش» يكمن في البشر وليس في الأموال والعتاد، وهؤلاء يدفعهم فكر محدد يزين لهم الموت في سبيل العقيدة، ويحلي في أعينهم تقطيع أوصالهم، وأوصال غيرهم، حتى ولو كانوا من أقرب الناس إليهم. كما أن كل أعماله تقع ضمن المعلوم وكما يفهمونه من الدين، وفي ضوء هذا العلم قام الشقيقان السعوديان بقتل والدتهما، ومحاولة قتل أخيهما من واقع ما فهماه مما درّس لهما في المدرسة والمسجد ودار تحفيظ القرآن، وليس بدافع أو تأثير من إيران او أميركا او إسرائيل! فالعدو الحقيقي يرقد في مناهج مدارسنا، وليس على حدودنا، وهو السلاح الكامن في أكثر الجوانب قتامة ووحشية، والتي لا يرغب أحد في التصدي لها، وكانت محاولة الأزهر الخجولة في شطب، أو التفكير في شطب، جواز أكل لحم الأسير، من منهج الأزهر إحدى تلك المحاولات، لكنها تبقى نقطة في بحر، فلا تزال آراء فقهية، ومواقف شرعية لمعظم رجال الدين تجيز، او على الأقل لا تدين افعال «داعش»، وإن لم تؤيدها، وبالتالي لم تتجرأ جهة دينية ذات اعتبار، حتى اليوم، على تكفير «داعش»، فهذا إن حصل فربما ينسف كامل المنظومة التعليمية الدينية لآلاف المؤسسات التعليمية الدينية في عشرات الدول الإسلامية.
لكي تعرفوا سبب ظهور «داعش» وشراسته، ابحثوا في مناهج الأزهر، والمدارس والجامعات الخليجية فحتما ستجدونه.