الإرهاب الذي ضرب مؤخرا المملكة العربية السعودية وبصورة أكثر وحشية العراق بينما يهدد الكويت وغيرها هو نتاج عنف سابق وراهن يزداد زخما في قاع البلاد العربية، العنف الأعمى يختلف من مكان لآخر، لكنه تعبير عن سلسلة أمراض تنخر البلدان العربية. يجب أن ندين العنف ونقف ضده لأنه يدمر الحياة ويقتل البراءة، لكن ذلك لن يكفي، إذ لا بد من التعامل مع الأسباب العميقة التي تنتج العنف. إننا نعيش في إقليم يسبح على بحيرات من العنف والحزن والفقر والاستلاب.
عنفنا نتاج للعلاقات السلطوية التي تتفاعل في قلب مجتمعات تعاني من الاكتظاظ السكاني والتكاثر العددي المفتوح، في ظل غياب المؤسسات القادرة على التخطيط والاستيعاب. إن الاستئثار السياسي الرسمي (غياب المشاركة وفصل السلطات) المصحوب بالفقر والبطالة والإذلال وقلة العمل وانهيار الأحلام وضعف الحريات وانتشار الفساد في ظل ضيق الافق وضعف العقلانية الرسمية يسهم في العنف الذي يعيشه العالم العربي. العنف نتاج علاقات غير متكافئة في الإقليم تتضمن إخضاع الشباب للكبار والفقراء للأغنياء والمحكومين للحاكم الفرد والمرأة للرجل والسني للشيعي أو الشيعي للسني، والأسرة لسلطة الاب، وغير المتشدد للمتشدد دينيا، والمدني للعسكري، والضعيف للقوي، والمثقف والمبدع لوزارات الإعلام التي لغتها معظم دول العالم، والإنساني للأمني، والتعليم للحفظ وللأهواء.
الإرهاب الذي يضرب الأمة العربية نتاج سلطوية أدت لانعزال الأغلبية الصامتة، نساء ورجالا، شبانا وشيوخا، عن المشاركة في الحياة العامة. النظام العربي وجه مواطنيه العرب، للهجرة أو للصمت (فهو لا يحتاج اليهم) وفرض عليهم الخوف عند الاختلاف. وبالفعل احتكرت أقلية في النظام العربي السياسة، ونجحت هذه الأقلية في اختراق الأحزاب المعارضة ورعت السلطوية والتقليد، وصادرت الحريات وغضت النظر عن الفساد. هذا بحد ذاته أغلق السبل ومنع المجتمع من التطور.
في العالم العربي تم اغتيال المجتمع الحر بسبب بتر فرص التغير السلمي الديمقراطي كما وقع في دول ومجتمعات العالم. وهذا مكن البعض (فئة من الناس) من اختراق الصفوف لممارسة الإرهاب. إن تفكك وتدمير الأغلبية الصامتة مكن أقلية من ممارسة العنف بجنون، كما مكنها من نشر فكر عنيف جذب قطاعات هامة من الجيل الشاب. لن يتوقف العنف في البلدان العربية بلا تحرير الأغلبية الصامتة من الخوف والقيود، وهذا لن يكون ممكنا بلا مبادرة جريئة من النظام العربي نفسه، بحيث يتبنى آليات واضحة تنهي الاحتكار السياسي وتفتح الباب للحرية والديمقراطية والحقوق.
العنف العربي حدث مركب، فهو أيضا نتاج ممارسات الغرب بحق الشرق وممارسات إسرائيل بحق العرب، إن مقتل 150 ألف عراقي في حرب 2003 كان بحد ذاته بداية لعنف فاق كل التوقعات. مشاهد سجن أبوغريب أسست للكثير من العنف، قدرة إسرائيل على الاستمرار في الاحتلال والتهويد يخلق في الجانب العربي ارتجاجا أكثر عمقا في الهوية. كما أن علاقات العنف والتعذيب داخل السجون العربية، هي الأخرى تؤسس كل يوم للمزيد من العنف.
إن غياب القادة العرب الديناميكيين القادرين على تحقيق ثورة سلمية في المجالات الاقتصادية كما والسياسية والاجتماعية هو إسهام في مشهد العنف الراهن، فالأفق حتى اللحظة يخلو من التفاؤل. لن ينجح قادة عرب لا ينفتحون على الجيل الصاعد وحقوقه ولا يعون مدى الجديد الذي يختزنه العالم العربي منذ ثورات 2011، بل لن ينجح قادة يؤمنون بالهرمية نفسها ومنع التعبير وسجن المعارضين من كل التيارات السلمية واضطهاد الثقافة والاختلاف. هذه سلوكيات ستؤدي لاستمرار عزل الأغلبية وهجرتها النفسية والجسدية من مجتمعاتها، وبالتالي لمشهد تتحكم به ثقافة الموت. لن ينجح نظام عربي لا يعي مكانة الإنسان أولا والعدالة والحقوق والحريات ودور المحاسبة والرقابة. لنصل للنهايات لابد من حل سياسي واجتماعي وثقافي وإنساني وحقوقي. إن الحل الأمني والسلطوي في غياب الإصلاحي والسياسي والثقافي سيؤدي لعزل أكبر للمجتمع وبالتالي لعنف أكثر فتكا.