كأن محنة تشريع قانون الاجتثاث السياسي، الذي أقره مجلس الأمة بأسرع عملية سلق تشريعي، هي قضية ترشح محمد الصقر للمجلس من عدمه، حتى يأتي رئيس المجلس مرزوق الغانم، مطمئناً الصقر بأنه ليس المقصود من القانون، وأن الأخير يستطيع الترشح والانتخاب وطرح نفسه للرئاسة إذا رغب! هكذا حسب مضمون ذلك التصريح، وبالتفسير الاستبعادي، أي باستبعاد الصقر من نطاق التطبيق الجزائي، حسب فقه رئيس المجلس الذي لبس روب قضاة المحكمة الدستورية وأخذ يحدد تخوم قانون الاجتثاث السياسي، كما يشتهي، وحسب الظروف المناسبة، فهذا يطبق عليه القانون ويحرم من الترشح والانتخاب والآخر “الصقر” نتسامح معه ونفتح له أبواب النيابة والرئاسة إن كان يرغب فيها، بهذا يستكمل سعادة الرئيس المجد بصفتيه الاثنتين أو الثلاث، فهو المشرع الكبير، وهو القاضي الأوحد، وهو السلطة التنفيذية بكل رموزها، حقاً إنه رجل لكل العصور الذي لا يرد له طلب.
حسب فقه صاحب السلطات الثلاث والمكمل بحذق الفقيه “دوجي” محمد العبدالله الحكومي، يصبح محور التشريع ونطاق تطبيقه محصوراً في النائب السابق والسجين بسجن أمن الدولة مسلم البراك وغيره من نواب معارضين ومواطنين.
بذلك التفسير من سعادة رئيس المجلس حفظه الله، بعد أن تمت “زهلقته” وتسويقه بعبارات “الثوابت والمقدسات” تظهر عورة ذلك التشريع كصورة بالغة البشاعة تصل لحالة الانحراف التشريعي حين يغيب عنه الحياد المطلوب في تحقيق المصلحة العامة، ويصبح واضحاً أن المقصود بالتشريع هم أشخاص محدودون بذواتهم، وأن الهدف المباشر للقانون هو حرمانهم بصفة أبدية من حقوقهم السياسية، وكأن عقوبة السجن القاسية لم تكن كافية، وأيضاً يحقق ذلك التشريع غايات الكثيرين الدائرين في الفلك السلطوي بتجنب شرور المعارضة العنيفة، كما يمثلها مسلم وربعه، فهل بتلك النصوص العقابية وتفسيرها كما جاء بالعبارات الحكومية صراحة من “دوجي الصباح” أو ضمناً بتصريح الغانم يتم تحقيق الهدف المفترض بكل تشريع كالمصلحة العامة وتوفير الاستقرار السياسي والاجتماعي؟!
ويضيف رئيس المجلس في تصريحه السابق بتحد غير مفهوم لمن يرفض القانون والكيفية التي سلق بها بعبارة “من ير غير ذلك فإن أبواب المحكمة الدستورية مفتوحة”! مثل تلك العبارة تذكرنا بهوشات التحدي الشعبية “إذا موعاجبك هذا روح أشتك”، فهنا نجد اللغة السلطوية المتعالية حين تحاصر الفرد بخطاب التحدي الساخر بأنني فعلت وشرعت، ومن لا يعجبه هذا فليشرب من ماء البحر أو يضرب رأسه بالحائط… لكن عوضاً عن “ماء البحر والحائط” يضع الرئيس الكبير الخيار الوحيد المتبقي للمظلومين بالمحكمة الدستورية! طبعاً نعلم أن باب المحكمة مفتوح، وشكراً لهذه النصيحة الغالية، لكن السؤال: لماذا نلجأ بداية للمحكمة؟ ولماذا نطرق باباً كنا في غنى عنه بداية لو مارست السلطة بمجلسيها الحصافة التشريعية وأظهر النواب حسن نواياهم وتساميهم في العمل التشريعي وبعدهم عن شبهات المصالح الخاصة للانفراد بالقرار السياسي…؟
نقد قانون الاجتثاث السياسي لا يهدف إلى إنصاف محمد الصقر، كما توهم الرئيس الغانم، ولا يراد به عرض مظلومية مسلم البراك أو غيره، هو مجرد إظهار حجم الجرم التشريعي الذي أصاب الدستور بالمادة 179 التي تحرم الأثر الرجعي للنص الجزائي، وقانونكم له أثر رجعي بالغ الشذوذ مهما أسهبت جماعات الحكم بنفي هذا والتأكيد على الأثر الفوري له، هذا النقد يقوم على قضية مبدئية سمو النص الدستوري وعلى مراعاة حكم الدستور في أي عمل تشريعي ولا شيء غير ذلك… فهل كنتم تذكرون الدستور حين شرعتم قانون البؤس، أم أنكم نسيتموه من زمن بعيد…؟!