ماذا لو كان ديكارت كويتياً واعياً أو كان خليجياً أو عربياً واعياً، يمكنه أن يقول بدلاً من عبارته المشهورة: أنا أفكر، إذن أنا موجود، “أنا محبط إذن أنا كويتي”. ولنحدد هذا الوجود “بالكويت” درءاً لشبهات الملاحقة بقوانين الحرية الجميلة، كما تمثلها نصوص الجزاء والمطبوعات وغيرها من مدونات الإسهال التشريعي في جرائم الإساءة لدول صديقة أو شقيقة، أو غير ذلك من نصوص تضع العقول الحرة في زنازين الاعتقال وسحب هويات الانتماء للدولة، فتصبح العبارة أكثر تعبيراً عن الحال “الكويتي”.
لكن لماذا شرط الوعي هنا؟ ببساطة إذا لم تكن واعياً لحال الرداءة السياسية والإدارية فلن تعاني من الحال التعس لأنك مقتنع به، فكم مرة رددت على نفسك عبارات مثل “الحمد الله مو ناقصنا شي”، أو “شوف غيرنا شلون عايشين واحمد ربك”، وهي عبارات فرضت على اللاشعوري بنفسك، واستقرت به من كثر ما تضخ السلطة مضامينها بوسائل إعلامها ودعاياتها السياسية في خطاباتها الأبدية.
شرط “الوعي” أو الإدراك الحادث من المتابعة لما يجري حولك والتأثر به أي التفاعل معه هو الأمر المطلوب للوصول للإحباط الصحي، فإذا كنت من جماعة “أخو الجهالة في الشقاوة ينعم” فأنت واحد من القطيع، راض بالقسمة والنصيب، تعشق أغنية “يا رب لا تغير علينا” بدلاً من “ما ليش أمل يا حبيبي فيك”، وحبيبك الآن الذي فقدت الأمل فيه ليس مريم فخر الدين، وهي تنصت تذرف الدموع لسماع فريد، بل هو الإصلاح المفقود كإبرة ضائعة في كومة قش حكومي ممتدة وعالية برفع جبال الألب. أيضاً، إذا كنت من الجماعة الأخرى التي تعرف من أين تؤكل الكتف، والديرة بكاملها أضحت بسياسة الفساد والمحسوبيات أكتافاً سمينة محمولة ينقلها جزارو الإدارة من خزائن الدولة إلى موائد المداهنين والمادحين، فليس لك أن تحبط، ولو كنت واعياً، فالأرصدة المالية الكبيرة في حسابك تبدد الإحباط المطلوب.
لماذا نتحدث عن ضرورة الإحباط، فمثلاً، لماذا نحبط الآن بعدما سلق مجلس الأمة قانون الاجتثاث (كلمة غانم النجار) السياسي للمعارضين، وخرق نصوص الدستور بوقاحة؟! ولماذا نحبط قبلها على عشرات القوانين المقيدة للحريات شرعها مجلس الغم بمشاركة حكومية فجة؟ ولماذا نحبط حين تنهال إجراءات عقابية موغلة في القسوة ضد حريات الضمير؟ ولماذا نحبط حين نشاهد من كانوا يوماً معدودين بصف الأحرار وأضحوا تروساً في عجلة القمع السلطوية؟ ولماذا نحبط حين نختنق في شوارع مزدحمة لدرجة الغثيان؟ ولماذا نحبط ونحن نشهد تردي الخدمات العامة وغياب روح المسؤولية في الجهاز الإداري بالدولة؟ ولماذا نحبط حين نرى فوضى المخالفات الخطيرة في تجاوزات البناء (حريق بيوت الصفيح في الفروانية)…؟ ولماذا نحبط دون نهاية، حين لا نرى ولو بصيصاً من نور قادم يبشرنا بأن لدينا إدارة تقرأ المستقبل وتتأمل بعقل حر ما يجري حولها وتعمل حسابها للقادم…؟!
نحبط، لأننا ندرك عدم إدراكهم أو عدم اكتراثهم، نحبط لأننا نشعر بالقلق، فالفشل المتكرر الذي لا نملك أمر تغيير أسبابه بعدما صودرت قرارات خياراتنا يوصلنا للإحباط… لكن لا بأس بالإحباط في مثل حالنا الآن، لأنه مؤشر بأننا واعون، والوعي هو الشرط الأول للتغيير، وأننا أحياء رغم كل شيء، وأننا نفكر ونرفض، ونردد بدون ملل ولا إحباط عبارة: نحن محبطون، إذن، نحن كويتيون.