كحال بقية المواطنين، والمنطقة، وحتى العالم، قرأت خبر مقتل الأم على يد ابنيها ومحاولة قتل الأب والأخ بكثير من الذهول الذي لا يكفي معه التعليق بأي تعبيرات استهلكناها ربما تماما. ليس لأنها المحاولة الأولى التي يقتل فيها أقرباء بعضهم البعض تحت مسمى الإرهاب، بل لأن الأم حالة تتصف بالقدسية أكثر ربما من أي علاقة أخرى. نحر هذه القدسية يشي بشيء أكبر من مجرد الإرهاب أو التطرف، وإن كان يتعلق بصيغة رئيسة بتحريض الفكر الممسوخ على قتل الأقربين الذين يعارضون أفكارهم، وذلك بوضعهم في قالب على شكل مشاريع قتل تحت مسمى الجهاد. الإرهاب في هذا العالم وفي كل موقع له أسباب متباينة ربما، لكن يبقى الإرهاب بمسماه هو نقطة الوصل للتعريف. الأحداث المحلية والإقليمية والعالمية المتواترة عن حالات قتل وتفجير وإطلاق نار، استطاع أصحابها تفريغ شحنات العنف المحموم بصيغ مختلفة، لكن تبقى أكثرها قبحا قضية الأم هيلة العريني المغدورة من أبنائها. إنها صيغة صادمة جدا، مؤلمة وقاتلة لأرواحنا، المسألة المخيفة أننا انتقلنا من تصنيف الجريمة، إلى تصنيف الإرهاب ومستوى الجريمة نفسها رغم بشاعة الجميع.
ما يزال البعض يكررون تصريحات المرشح الرئاسي الأمريكي ترامب عن المسلمين بكثير من الغضب والخيبة، وقد سألني أحد الأمريكيين في نيويورك أخيرا: هل تحبون النبي عيسى في السعودية؟ ربما أراد أن يتأكد أن الذين أطلق ترامب تصريحات ضدهم – المسلمين – يستحقون فعلا هذا التعاطف منه رغم حالات الإرهاب والجرائم التي تنتشر ككتلة من النار تحت مسمى إسلامي، وحيث الحديث عن ترامب عرج إلى صعود القوميات بشكل بشري هيستيري، التي – القوميات – تتعاظم في حال الشعور بالخطر والتهديد، إلا أن المسألة ليست فقط بين أديان وأخرى ولا حتى مذاهب وأخرى، نحن نتحول إلى مواجهات وشرائح أصغر وأكثر رقة من المواجهات العنيفة، نحن نتحول إلى الفصل الأعمق والأخطر من الجنون، والمسألة ليست حربا ومواجهة مسلحة مادية بيننا وبين جماعات مجهولة تظهر في أي مكان، مسلحة بالقنابل والسواطير والرشاشات، قد يكون هؤلاء في البلد، في المدينة، في الحي، وفي البيت أيضا، المسألة ليست كذلك فحسب، والمسألة الأمنية ليست حصرية بحرب بالنتائج، بل حرب الأسباب. تحول العالم من عدو معين لكل قومية ووطن إلى عدو شامل لكل العالم. هذا العدو لا يمكن تسميته بعدو بعد الآن، بل التعامل معه كمجرم، وهذه هي الصيغة الجديدة التي كان على السلطات الأمريكية التعامل معها فيما يخص الإرهاب الداخلي: إجرام.
وتبقى المشكلة اجتماعيا في السيطرة على العقل بخطاب الخوف من المجهول. يحاول البعض أن يبحث عن إسقاطات في الأديان الأخرى كالتطرف المسيحي في أوروبا وسلطة الكنيسة على الواقع الإسلامي، ولا سيما بعد عقود من الفشل التاريخي للمسيحية تخلصت فيما بعد من سلطة الدين على السياسة ومن معضلة التفسير المتباين للنصوص أيضا، لكن المجتمع العربي الإسلامي هو نماذج متباينة من الفكر “الاجتماعي” الديني الذي يقدس الرموز الدينية واستخداماتها للنص، ولا يتقبل النقد والتجديد لموروثه الفكري الآسن. العطن الفكري مسألة حيوية خطرة، تشبه في التعامل معها قطع رأس التنين أو الهيدرا الأسطوري، الذي كلما قطعنا رأس نبت رأسان. الأسباب كتلة لها ضلوع رئيسة منها الفكر والجنس والكبت والقضية والضياع والاضطرابات النفسية وقضية النماذج (المثل)، والنزعة الإجرامية للبشر؛ وهذا ما يتطلب ملامسة الجذور بتشخيص المرض لعلاجه. إنها مسؤولية كبرى ومعركة فكرية أخلاقية قبل أن تكون أمنية.