أقر مجلس الوزراء مشروعا حكوميا لزيادة تعرفة الكهرباء والماء على المواطنين والمقيمين لمعالجة العجز الطبيعي بالميزانية إثر انخفاض أسعار النفط، ملخص تلك الزيادة هو مضاعفة التعرفة على كل من الكهرباء والماء بنسبة تتجاوز الـ200%، بمعنى أن صاحب المنزل الذي يدفع 50 ديناراً شهريا للكهرباء والماء سيدفع ما لا يقل عن 150 ديناراً بعد زيادة التعرفة، تلك هي الحسبة باختصار، بمعنى إن كانت الحكومة تحصل سنويا 500 مليون دينار من المواطنين والمقيمين فستتحصل على مليار و500 مليون على الأقل من المواطنين والمقيمين.
هكذا قررت الحكومة مواجهة العجز بالميزانية، أو إن صح التعبير مواجهة عجز كل الحكومات عن توفير الاستقرار المالي غير المرتبط بأسعار النفط التي لا نتحكم فيها، وهي عرضة للهبوط والارتفاع دون أن يكون لنا أي قرار في ذلك.
الحكومة نفسها العاجزة عن إنشاء مطار أو إنجاز ملعب في مدة طبيعية، أو افتتاح مستشفى أو بناء مساكن محترمة أو الانتهاء من الخلطة السرية للطرق كي لا يتطاير الحصى، قررت أن أولى خطوات علاج العجز بالميزانية هي أن يسدد المواطنون من جيوبهم جزءا من هذا العجز، وأنا هنا إذ أشدد بأني لست ضد أن يدفع المواطن والمقيم مقابل حصوله على الخدمات من خلال نظام ضريبي واضح المعالم، ولكن بكل تأكيد لا يكون هذا الدفع لحكومة ضعيفة عاجزة، أساس تشكيلها قائم على المحاصصة والترضيات الاجتماعية.
الإصلاح الفعلي يكون من خلال معالجة اختلالات فعلية مستمرة وتزيد باستمرار، والسبب الأساسي لها هو الحكومة، ومن باب أولى معالجة تلك الاختلالات الحكومية قبل التفكير باللجوء لزيادة تعرفة يتحملها المواطن دون جودة فعلية للخدمات التي تهمين عليها الحكومة، فمن غير المعقول مطالبة الناس بدفع مبالغ مضاعفة ليتمكن علي العبيدي من ابتعاث من لا يستحق للعلاج بالخارج، وضمان البقاء في منصبه، ومن غير المقبول أيضا أن يدفع الناس تلك المبالغ الضخمة ليحصل القيادي الحكومي الذي يتلقى راتبا عاليا بحكم منصبه على مكافآت مادية ضخمة لحضوره اجتماعات ولجان هي من صميم عمله أصلا، وليس من المنطق أن يدفع الناس الأموال لتجديد تعاقد الحكومة مع مقاولين فاسدين لتشييد مساكن جديدة متهالكة تفتقر لأبسط أساسيات العيش الآمن، ومليون سبب آخر يجعل اللجوء إلى المواطن كأول سبل علاج اختلالات الموازنة العامة أمرا مرفوضا ولا يقبله العقل.
نعم يجب أن يشارك المواطن في تحمل تبعات الاختلال، ولكن يجب ألا يكون أبدا أول العلاج، بل قد يكون هو الوحيد الذي سيتحمل تلك الاختلالات وفق وجهة النظر الحكومية التي لم تبادر إلى الآن بتقديم حل اقتصادي واقعي عملي موضوعي بعيدا عن النصوص الإنشائية التي لن ينجز منها أي شيء.
لا بد من خطة واضحة المعالم وآلية تنفيذ واقعية لسبل معالجة الخلل يكون الشق الأساسي فيها تقويم السلوك الحكومي، وإن يتم تنفيذ تلك الخطة بشكل سليم فمن الممكن حينها الحديث عن مسؤولية السكان في تلك المعالجة.