النص التالي من مقال الزميلة ابتهال الخطيب:
قبل أيام، أقام عدد من النواب ندوة بعنوان «مهلاً يا دعاة الاختلاط»، وكان «بوستر» دعايتها كفيلاً بإظهار غرابة وانعزالية المنطق الذي يرمون إليه. البوستر يحمل في أعلاه صورة النائب حمود الحمدان، وأسفله صورة لأربعة وعشرين نائباً مشاركين، داعين «دعاة الاختلاط» إلى التمهّل. شيء ما في البوستر يثير الريبة، يلفت الانتباه إلى نوع من أنواع الأمراض النفسية، يتجلى من خلال صورة تحمل نوعاً واحداً من البشر، شكلهم واحد، هيئتهم واحدة، ونوعهم واحد. هذا الانعزال والتقسيم، هذا اللون الواحد والفكر الواحد والرؤية الواحدة، هو تعبير عن انغلاق نفسي خطير ومرض روحاني مميت. اللون الواحد لا يخلق بشراً طبيعيين، والانعزال لا يكون مجتمعاً صحياً، والريبة من جنس آخر، لون آخر، أصل آخر، هي مرض عضال، إذا أصاب مجموعة قضى عليها نفسياً، وفي الغالب جسدياً كذلك. انتهى.
تذكرت الكلمات أعلاه وأنا أتمعن في صورة تختصر الإنسانية في أجمل معانيها، تتضمن سيدة هندية وابنتيها، وهن يتطلعن بحنو إلى رجل يبتسم أمام الجميع، رافعاً كلتا يديه اللتين تبدوان داكنتي اللون، مقارنة بلون بشرته، وفي جانب يقف رجل يبدو فخوراً وضاحكاً.
النسوة هن زوجة وابنتا المواطن الهندي جوزيف، الذي توفي نتيجة مرضه، فتبرعت أسرته بكلتا يديه للأفغاني عبدالرحيم الذي سبق أن فقدهما في انفجار لغم. أما الرجل الفخور، فهو د. سوبرمانيان، الذي قام بعملية نقل اليدين! وهكذا نرى الإنسانية في أبهى صورها، فالمانحة «مسيحية»، ومن حصل على اليدين «مسلم»، ومن نقلها «هندوسي»، ثم يأتي من يحرّم علينا مجرد السلام على مليارات البشر، الذين يفوقوننا إنسانية وإبداعاً ورحمة.
وفي السياق نفسه، وفي مبادرة غير مسبوقة، قامت باكستان، لأول مرة منذ انفصالها عن الهند قبل 70 عاماً، باعتبار العيد الهندوسي هولي Holi، عطلة رسمية! ولم يسلم القرار طبعاً من الانتقاد الشديد في الداخل والخارج.
وفي الكويت، قام المواطن سعود العرفج، رجل الأعمال المعروف، قبل أيام، بنشر إعلان تضمن تهنئة للشعب الإيراني بعيد النوروز. ورغم جمال المبادرة، فإنها لقيت نصيبها من الانتقاد. فالكثيرون لا يرغبون في تقارب شعوب المنطقة، والعيش بسلام، بل يميلون، جهلاً أو تعصباً أو مصلحة، إلى بقاء العداوة كما هي.
إيران جارة، شئنا أم أبينا، وهي هناك وستبقى، شئناً أم أبينا. وبالتالي، من الأفضل لها ولنا، أن نتفاهم ونتعايش لمصلحتنا جميعاً. وهنا لا نتكلم عن المحبة ولا عن الصداقة، بل فقط عن التعايش. فمن الاستحالة إجبار الناس على محبة من لا يطيقون. ودروس التاريخ تقول إن الفرنسيين والبريطانيين والألمان مثلاً طمع بعضهم في ثروات بعض، ونشبت بينهم حروب امتدت قروناً، وسالت الدماء أنهاراً بينهم، ثم ثابوا إلى رشدهم، وتركوا خلافاتهم العرقية والمذهبية والدينية جانباً، وانكبّوا على الإنتاج والعمل، فاستفادوا جميعاً، وعاشوا في سلام لا يمكن أن يتعرّض للخطر. ونحن غير مجبرين على إعادة اختراع العجلة، والأمثلة أمامنا كثيرة، فكل ما نحتاج إليه هو القليل من الثقة في الطرف الآخر، والكثير من التعقل والشجاعة!