في جلسة نقاش مع مجموعة من الشباب والجيل الطيب حول الوضع الاجتماعي والسياسي، في إحدى الدواوين العامرة، سأل سائل، لماذا معظم الناس أصبحوا يعيشون على التناقضات بكل الأصعدة، وتحديدا على الصعيد السياسي في الآونة الأخيرة إلى درجة اصبحنا لا نعرف الصح من الخطأ نتيجة ضبابية المواقف، فضلا عن التحيز المجتمعي الشديد لطرف ضد طرف آخر وبشكل علني؟!.
فعلا هذا السؤال بحاجة إلى إجابة لأنه دارج لدى كثير من الناس، وحتى إجابته إن لم تكن صريحة، فالأفضل الصمت وتركها لمن يملك شجاعة الإجابة، فأنا نقلته وسألته لعدة أشخاص أردت منهم جوابا منطقيا يفسر لنا حالة التناقضات المعقدة، ولكن معظمهم كان يداري مصالحه بإرضاء فلان وعلان، ويرقع الثوب ليستر حاله بسبب وضعه الحساس، إلا شخص واحد، جوابه كان بالنسبة لي مقنعا لأنه بعيد عن طريق المصالح والسياسة، وتطرق إلى حقيقة أراها هي واقع الحال للأسف.
انقل لكم كلامه أو جوابه، قال: يا سيدي الفاضل، لا بد أن تدرك أن كل شخص يبحث عن مصالحه وإن كانت مشروعة في أي مجتمع فوضوي لا يمس لنماذج البلدان المتطورة بشيء، وإن كان هذا الشخص ملاكا، حتما سيتحول إلى متناقضا بسبب تبعيته وظروفه الذي سلم نفسه لها، لطالما يجري وراء مصالحه، خاصة إذا كانت هذه المصالح لا تتحقق إلا باتباع أشخاص لديهم نفوذ وإمكانيات وقدرات، ولو كانت على حساب المبادئ، ما دام الجو العام ملوث بالمحسوبيات، واذكركم بمقولة «إما أن تكون معي أو ضدي» وللأسف أصبحت هي العنوان الدارج في تعامل الناس اليومي خاصة في الشأن السياسي، وهذا جاء نتيجة صراعات كبيرة بين أشخاص لا يهتمون إلا بمصالحهم وكسر كل منهم أنف الآخر.
فلو نظرنا لواقع الحال من دون مجاملات، حتما ستنكشف الحقيقة المرة، التي ستكمن في رفع راية النفاق الاجتماعي خاصة في الشأن السياسي على اعتبار هو بوابة المصالح والاسترزاق، فتجد التناقضات في حياة الكثيرين مكشوفة ولا تحتاج إلى مبررات، وهنا التناقضات في المواقف والسلوك ستراها مثل السلم الكهربائي تارة تذهب للأعلى وتارة أخرى للأسفل، وأهل المصالح تجدهم تارة يمتدحون من هم بالأعلى وتاره أخرى من هم بالأسفل، وهذا يتم حسب رضاهم أو غضبهم وفي الحالتين سينكشف سلوكهم.
وتابع حديثه، بعض البسطاء بسبب أنهم لم يجدوا إنصافا لحقوقهم ولا عدالة في تحقيق الطموح، اضطروا على الإبحار في فلك أصحاب النفوذ والسير معهم إلى آخر نقطة تناقضات، وهبطوا اضطراريا وركبوا مركب النفاق الاجتماعي دون أن يشعروا، ما دامت حقوقهم لا تأتي إلا بإرضاء هؤلاء العمالقة، وحتى نوضح أكثر علينا أن ندرك بأن من يجري خلف هوس ملذات الحياة في أي شكل من ملذاتها حتما سيكون متناقضا، وهنا لا يمكن لنا أن نضع عليه اللوم بسبب ظروف صعبة تواجهه بقدر ما نضعه على من أسس هذا النهج السيئ الذي لا يسير إلا بالمحسوبيات والترضيات، والمشهد خير برهان على ما أقول.. فالسؤال: من فينا محصن من هذه الحالة؟!