بمجرد القليل من الرصد في عدد من الفضائيات العربية الشهيرة، يمكن اكتشاف نمط من المسئولين العرب الذين أقل ما يمكن أن يوصفوا بأنهم «لا يستحون»! ولاسيما إذا ما كان الحديث يدور حول الطائفية وأثرها المدمر، حيث لابد لأولئك أن يجعلوا «طائفة محددة» هي المجرمة: تصريحاً أو تلميحاً… همزاً أم لمزاً.
ذات مرة، قابلت شخصياً أحد أولئك بعد فترة وجيزة من (إلقائه قائمة من التهم والافتراءات في إحدى لقاءاته)، والتي كان يصفها المقربون منه بأنها «قنابل قصفت الصفويين وأتباعهم في منطقة الخليج العربي)، ووجهت له اللوم على هذا الأسلوب الذي لا يليق به ولا يليق حتى بمن طلب منه أن يفعل ذلك، وإذا به يعانقني، ولا أحسبه صادقاً إطلاقاً ويقول: «لا… نحن لا نقصدكم أنتم إخواننا… نقصد أولئك الذين يرتمون في أحضان الصفوية»، ومع أن حديثك يا صاحبي كان فيها توجيه التهم الجماعية والافتراءات العامة الشاملة، إلا أن حجته هذه سقطت، ولم يكن له بد إلا من القول إنه ربما خانه التعبير.
وتشمل قذائف الهجوم الطائفي من قبل أولئك المسئولين عدة أهداف: الهدف الأول هو في العادة، يقوم مقام ولي الله الصالح الأوحد ضامن الفردوس، فيخرج الناس من ملة الدين، وهذا فكر داعشي إقصائي تفكيري قطعاً… فهذا المسئول داعشي، والهدف الثاني: هو استهداف الوطنية، واعتبار نفسه وقومه هم المخلصون للأوطان وللإسلام وللتوحيد، وسائر خلق الله من المواطنين ليسوا سوى طبقات لا مقام لها… لا على مستوى الدين ولا على مستوى الوطنية ولا على مستوى الولاء من في المشرط والمكره، وهذا أيضاً فكر داعشي محض وضيع.
وحين ندقق في الهدف الثالث، نجد أن أولئك المسئولين الذين لا يستحون، قد يجعلون المستمع البسيط المسكين المغلوب على أمره والذي سيصفق لهم بعد قليل، أي بعد انتهاء اللقاء أو ربما في اليوم التالي، حينما يشيد بما طرحوه في المقابلة أو اللقاء الحواري الفضائي، وسيكيل لهم المديح في حسابه على «تويتر» أو في مدونته أو في أي مكان… المهم أن يشارك في حالة الزار الغبية المليئة بالمغالطات والتهييج والتحريض، فالهدف الثالث لهؤلاء هو انتظار اتصال ممن هو أعلى منه، فهذا المسئول الذي لا يستحي يعلم بأن هناك آخرين سبقوه إلى هذه الأعطيات لأنهم توغلوا في الطائفية وتأجيج المجتمع ونالوا ما نالوا، وتأكدوا يا جماعة الخير، أن ذلك البوق الذي لا يستحي – حينما يفقد الأمل في الاتصال والعطايا – ينقلب مرة أخرى وقد يهاجم من أجل لفت الأنظار إليه، وهذا ما فعله أحد الإعلاميين التوانسة ممن يدير قناة فضائية مشهورة بالفتن والألاعيب.
ولكن، لماذا يشارك المسئولون الذين لا يستحون في تأجيج المجتمع بدلاً من تهدئته والعمل على تقديم خطاب وطني جامع، وشد صفوف كل المواطنين، من كل الأديان والمذاهب والتيارات؟ هم يفعلون ذلك لأنهم يعلمون أن هذا الفعل هو الرائج لدى العديد من الحكومات، ثانياً، يعلمون أن الحرب الطائفية في المنطقة تستدعي جنوداً يبيعون القيم، أما ثالثاً، ومع شديد الأسف، فالحكومات هي راضية بالصراع الطائفي الدموي، ولو لم تكن كذلك، لأخرست كل الأصوات الطائفية المريضة، فمن مصلحة دول الخليج إخراس أصوات النفاق والدمار المصفقين للحروب وللقتل وللدماء وللطائفية، لكن، حسافة، فهذه موضة المتاجرة بالأوطان، حتى من خلال بث السموم في جسد الوطن! نعلم أن هناك مسئولين لا يرضون بهذا الأفعال، لكن ثقلهم ليس مؤثراً أو مهماً بقدر من يقبل ويرضى ويمول ويشجع.