تشهد المنطقة العربية بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص جملة من الأنشطة الدبلوماسية ومجموعة من المبادرات السياسية التي نتمنى أن تكون بداية فعلية لإخماد نيران الحروب المستعرة في العديد من الدول العربية، والتي تورطت فيها غالبية القوى الإقليمية والدول الكبرى بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء على صعيد الوجود العسكري أو التمويل الاقتصادي أو التعبئة الإعلامية والسياسية. وبينما يحتفل العالم بيوم السعادة كتعبير أممي عن الشعور بالرضا والاستقرار وتحقيق الآمال والأحلام ورسم الابتسامة على محيا الأطفال، فإن الكثير في عالمنا العربي يعيشون منذ خمسة أعوام أياماً وليالي من الرعب المتواصل والإرهاب المتكرر وسط مشاهد ثابتة من القتل والدمار والتشريد واللاجئين والغرقى من الأطفال والنساء، في حين لا تخلو المؤتمرات الصحافية والتصريحات السياسية من لغة التهديد والتصعيد.
الأجواء الاحتفالية بيوم السعادة العالمي تتزين بالألعاب النارية ذات الألوان البهيجة والملابس الأنيقة والموسيقى المطربة، في حين لا يسمع أطفالنا سوى دوي الانفجارات وأزيز الطائرات الحربية، ولا يرون سوى ألسنة اللهب وأشلاء الجثث ونحر الرقاب، وبات الأمل الوحيد هو ترك الديار واللجوء إلى بلاد الإفرنج الكفار!
الدمار تحقق ولغة العنف فرضت نفسها والعرب قتلوا بعضهم بعضا، وهاج العالم ضدهم، وانهالت عليهم التقارير السلبية والتصريحات النارية، والصورة النمطية جسدتهم بالقتلة والإرهابيين والمتطرفين، أي وقعت الفأس بالرأس وشعر الناس باليأس، لكن وسط هذه الأجواء الكئيبة أطلّت صور جديدة من التحركات الدبلوماسية، منها وجود وفد من الحوثيين في الرياض لبناء الثقة والتفاهم على وقف الحرب في اليمن، ومنها أيضاً وجود وفد المعارضة وجهاً لوجه مع الحكومة السورية في جنيف تحت مظلة الأمم المتحدة، ومنها التحرك الكويتي- القطري المشترك للحوار وربما الوساطة بين السعودية وإيران للتفاوض على أسخن الملفات، وذلك في مبادرة مستحقة لإعطاء الدبلوماسية والحوار فرصة بعدما لم تفلح لغة الرصاص لحسم المشاكل، ولن تفلح أبداً بسبب التعقيدات السياسية الصعبة والموازين العسكرية المتكافئة بين أطراف النزاع وحلفائهم إقليميا ودولياً.
ذكرنا مراراً بأن دفع المنطقة العربية وخاصة الخليج في أتون الحروب المدمرة والمكلفة للغاية، وخاصة في ظل تراجع أسعار النفط، وتنامي الاحتياجات والمتطلبات الداخلية لا سيما خلال العقود القادمة، الغرض منه استنزاف قدرات هذه الدول وحرق مدخراتها السابقة من الفوائض المالية وإضعافها حتى عسكرياً، حيث بدأت الحكومة الأميركية وبعض الدول الأوروبية تهديداتها بوقف مبيعات السلاح لدول مجلس التعاون.
دول الخليج على موعد بحلول منتصف القرن الحالي ببلوغ عدد سكانها (100) مليون نسمة غالبيتهم من الأطفال والشباب ممن ينتظرون أجواء السعادة وتطبيقاتها مثلهم مثل بقية الشعوب العربية وبقية أمم العالم، والسعادة لا تتأتى إلا بالاستقرار والاستثمار الحقيقي في الموارد المالية والبشرية التي تدار بالحكمة والعقل، وقد يحاول أعداء السعادة وضع العصي في دولاب الدبلوماسية الخليجية الجديدة، إلا أن على القادة أن ينتبهوا لمثل هذا الصوت النشاز الذي يحاول سلب السعادة من الجميع باسم الدين وهو منه براء!