أحوال أمتنا العربية والإسلامية وصلت إلى أقصى مراحل البؤس والأسى والحسرة على ما وصلت إليه من ذل وهوان أدى إلى تكالب أرذل الأمم عليها ولسان حالهم يقول ” هذا ما جنيته على نفسي ” !! حتى وصل بهم حال ضعفهم أن يتعاطفوا حكاماً وساسة ومفكرين وأفراداً مع قتلى غير المسلمين ممن قضوا في حوادث سير أو كوارث طبيعية أو غيرها من الأسباب العادية في الوقت الذي تُباد فيه شعوبنا إما بترسانة هؤلاء الذين نتعاطف معهم أو بحصار جائر يقتل المدنيين العُزّل دون مراعاة أو تعاطف إنساني !!
ولعل ما يحدث لإخواننا في سوريا والعراق وفلسطين لهو أكبر دليل على مدى ما وصلت إليه الأمة من هوان وانكسار وذل مقيت ، ففي خضم المجازر التي تحدث لإخواننا في سوريا والعراق نجد ذاك الحاكم العربي أو المسلم يتسارع لزيارة تلك الدول الفاشية الظالمة لعقد مشاورات واتفاقيات مشتركة ومذكرات تفاهم ذليلة وكأنه يريد أن يتّقي شر هذه الدول المجرمة من أجل أن يضمن سلامة حكمه ونظامه ، فأي ذل وهوان وصل به حال هذه الأمة ؟!!
عندما أرى ما وصلت إليه أحوال أمة محمد استذكر سيرة الصحابة وتابعيهم ومن ساروا على نهجهم في الدولتين الأموية والعباسية والخلافة العثمانية ، والتي حملت كل معاني الهيبة والقوة في اتخاذ القرار وزرع الرعب في قلوب الأعداء ، ومن تلك السير قصة الخليفة هارون الرشيد مع نقفور ملك الروم عندما وجه الثاني رسالته للرشيد قائلاً : من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها ؛ وذلك لضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فأردد ما حصل قِبَلَكَ ، وافتدِ نفسك، وإلا فالسيفُ بيننا، فلما قرأ الرشيد الكتاب اشتد غضبه ، وتفرق جلساؤه خوفًا من بادرة تقعُ منه، ثم كتب بيده على ظهر الكتاب: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه ، ثم ركب من يومه ، وأسرع حتى نزل على مدينة هرقلة ، وأوطأ الروم ذلاًّ وبلاءً، فقتل وسبى، وذل نقفور، وطلب الموادعة على خراج يحملُه، فأجابه ، فلما رد الرشيد إلى الرقة نقض نقفور، فلم يجسر أحد أن يبلغ الرشيد، حتى عملت الشعراء أبياتًا يلوحون بذلك، فقال: أَوَقَدْ فعلها؟ فكَرَّ راجعًا في مشقة الشتاء، حتى أناخ بفنائه، ونال منه مراده !!
تلك أزمنة خلت لم يكن لهؤلاء القادة العظام مطمعٍ في جاهها ولا سلطانها وإنما ابتغوا مرضاة الله ورفع الظلم عن المظلومين وأخذ الحقوق من مغتصبيها وجعل أمتهم خير أمة في الأرض بهيبتها وعزتها ، دروس وعبر كان من ألأجدى بحكام وسلاطين المسلمين في هذه الزمان أن يتعلموها ويستظلوا بظلها ، ولكن العزة والهيبة لا تأتي بالوراثة وإنما تُنتزع وتُطبق على الأرض وهو الأمر الذي جعلنا نصل فيه إلى ما نحن عليه من ذل وهوان !!
فاصلة أخيرة
قد يطول ظلم الظالمين وينعدم العدل وتزول الرحمة من قلوب البشر ، ولكن يبقى إيماننا بالجبار المنتقم هو البلسم الشافي لجراحاتنا الغائرة ، فسبحانه القائل ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [إبراهيم: 43 – 42].