جرت العادة لدى رؤساء الولايات المتحدة ان يصدروا تصريحا أو إعلانا استراتيجيا يتناولون فيه ـ قضية دولية مهمة ويكون الإعلان بمنزلة «العهد» او «المبدأ» الذي يلزم الرئيس فيه نفسه وإدارته على تطبيقه بل ويلزم خصومه ايضا على احترامه.
ومن المبادئ المهمة للرؤساء الأميركيين ـ مبدأ مونرو 1832 الذي أكد على استقلال مستعمرات في القارتين الأميركيتين وعدم تدخل الأوربيين فيها، ومبدأ ترومان 1947 الذي أعلن فيه التصدي لأي تهديد مباشر او غير مباشر لأمن الولايات المتحدة، ونتيجة لذلك تم دعم اليونان وتركيا اقتصاديا وسياسيا ضد المد الشيوعي بدعم من الاتحاد السوفييتي.
مرورا بالمبدأ الأكثر أهمية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وأقصد بذلك ـ مبدأ ايزنهاور 1957 ـ الذي أكد فيه استعداد الولايات المتحدة الدائم لتقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية لبلدان الشرق الأوسط والتي تتعرض لتهديدات وخاصة من الاتحاد السوفييتي !
استمر مبدأ ايزنهاور حجر الأساس في السياسية الخارجية الأميركية اتجاه الشرق الاوسط لعقود طويلة وحتى ادارة الرئيس كارتر قامت بإعادة التأكيد على نفس محتوى مبدأ ايزنهاور وان تغير المسمى الى مبدأ كارتر والذي أعطى منطقة الخليج العربي أهمية خاصة، فقد نص المبدأ على أن الولايات المتحدة «سوف تعتبر أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية، وسيتم صد مثل هذا الاعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية».
أما آخر المبادئ الرئاسية فهو لأوباما والذي كتب عنه الكاتب «جيفري غولدبرغ » في مجلة اتلانتيك، ويختلف مبدأ أوباما عن باقي مبادئ الرؤساء الاميركيين الآخرين والتي تعلن عادة في بداية ولايتهم الرئاسية او بمنتصفها او قبيل اندلاع أزمة دولية ، فيكون المبدأ بمنزلة التحذير لخصومها من الاقتراب للخطوط الحمراء للمصالح الأميركية، أما مبدأ اوباما فقد جاء في نهاية ولايته الأخيرة وفي وسط أزمة دولية كبرى «الأزمة السورية»، ولم يحمل تحذيرا لمنافسي الولايات المتحدة بل كان تنازلا رخيصا لهم وبدون مقابل، واعتبر بمنزلة تخلى الولايات المتحدة عن حلفائها ومصالحها بمنطقة الشرق الأوسط ودون مبرر مقبول.
فنرى أوباما يساوي بين السعودية الحليف القديم ذي السياسات المعتدلة مع إيران الثورية والتي لطالما نعتتها أميركا بإحدى دول محور الشر، ايران التي هددت السلم والأمن الاقليمي ببرنامجها النووي، ايران التي تدعم الإرهاب وأقصد «حزب الله » الذي تصنفه أميركا والخليجيون بالحزب الإرهابي.
عموما مبدأ أوباما سيقلص الحضور الأميركي في الساحة الدولية خصوصا وأنه يفرض قيودا على استخدام العسكرية الأميركية في مناطق الصراع الدولي.
ومن جهة أخرى ـ نجد أن روسيا تمادت مؤخرا في استخدام القوة في النزاعات الدولية، مرة في أوكرانيا ومرة أخرى في سورية، بالرغم ان الإعلان الأخير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الانسحاب العسكري من سورية قد لقى صدى إيجابيا بين الأوساط الدولية، وربما يحفز الوفود المفاوضة للمعارضة والنظام على حدا سواء.
فالوفد التفاوضي للنظام كان ولا يزال متعنتا بعد دخول القوات الروسية والتي عززت من موقفه العسكري ـ اما وفد المعارضة السورية فكاد ان ييأس من المفاوضات بسبب عدم ممارسة ضغوط دولية من الغرب والروس خصوصا لإجبار النظام السوري على أخذ المفاوضات بجدية أكثر.
٭ الخلاصة: الانسحاب الروسي إذا صدق، لن يكون تخليا عن النظام السوري بقدر المحاولة لإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية تكون مقبولة روسيا ، خصوصا بعد اعلان مبدأ اوباما المتخاذل والذي فتح شهية الدول الكبرى للتدخل ولعب أدوار دولية مهمة جدا.