الدول كالبشر، بحاجة إلى التطور والتغير ومسايرة العصر. وإن فشلت في ذلك، فستضمحل وتفنى. فما تواجهه أي دولة من مشاكل مستعصية لا يختلف في طبيعته كثيراً عما تواجهه الشركات الضخمة، التي رأينا كيف اضمحلت أو اختفت لعدم قدرتها على التجديد ومسايرة العصر، مثل شركتي كوداك ونوكيا، اللتين عجزتا عن مسايرة التغيير الذي أحدثته منافساتها، بعد أن كانتا رائدتين.
الكويت ودول الخليج الأخرى، وغيرها، ليست مختلفة عن «كوداك» و«نوكيا»، فكما أن الشركات العالمية مجبرة على تلبية متطلبات كل زبائنها، وإرضاء أذواقهم وإجراء التغييرات الفنية والتعاقدية معهم بصورة مستمرة، من دون نظر إلى جنسية هؤلاء الزبائن ومشاربهم ومعتقداتهم، فإن الدول، أيضاً، يفترض أن تتصرف على النسق نفسه. فلا يفترض أن يكون للدولة معتقد محدد، في عالم متغيّر متعدد الأعراق والديانات وحتى الفلسفات. فالدين يخص مكوّنات المجتمع من أفراد، وليس المجتمع نفسه! فالدولة للجميع وليست لفئة محددة مهما علت نسبتها، مقارنة بغيرها. والحكومة ملزمة بالتعامل مع الجميع على قدم المساواة، فقد ولت دولة الجنس الواحد والفكر الواحد.
والدول التي تفشل في أن تصبح للجميع ستتكاثر عليها المشاكل وتهددها بالتفتت، ولا عبرة هنا بالنوايا الحسنة! وكل من يصدق أن سلالته أو قبيلته أو دينه أو مذهبه أو جنسه أحسن وأرقى من غيره، سيفشل حتماً في التعامل مع الفئات الأخرى من مواطنين وغيرهم، وفق مبدأ المساواة والعدالة في الحقوق والواجبات، وهو منطق الدولة العصرية، هذا إن أردنا استمرار وجودنا وتطورنا! وعليه، نحن مجبرون على الاختيار بين دولة مستبدة، وقابلة للسقوط عند أول ضربة، لا ترضى بالتعامل مع مكوناتها بمساواة كاملة، أو بدولة متعددة الثقافات منفتحة على الجميع لا تفرق بين عرق وآخر أو جنس وغيره أو دين وخلافه! علماً بأن الإصرار على الخيار الأول، أي الإيمان بمعتقد معين، والتمسك به وفرضه على الآخرين، ولو قسراً، لا يعني في نهاية الأمر أنها ستكون محصنة ضد الاختلاف والاضطراب، فالصراع داخل هذه الدولة، مهما كانت متماسكة في الظاهر، سرعان ما سيدب، إن بسبب كلمة أو تفسير لجملة أو طمع في حكم! وليس بإمكان أي تنظيم الصمود وفرض معتقده، سواء كان يمثل الأقلية أو الأغلبية، على الجميع بسهولة، من دون إراقة دماء كثيرة وخسائر مادية ضخمة. وبالتالي، فإن ذلك الصمود زائف ومرحلي ومرهون بظروف مادية أو أمنية، وليس لأنه يمثل الأسلوب الصحيح في الحكم، فهذه الأنظمة ستختفي متى ما غاب المنسف أو تراخت القبضة على السيف.
• ملاحظة:
لأول مرة في تاريخ بلدية الكويت يقوم مديرها العام، مشكورا، بإحالة ثمانية مديرين الى التحقيق لعدم التزامهم بمواعيد العمل الرسمية. هل تكون هذه بداية الإصلاح في أكثر المرافق فسادا؟!