لا أعرف النائب عبدالله الطريجي، ولكني أتابع جزءاً من نشاطه السياسي، وأعتقد أنه لا يقل كثيراً في تطرف بعض آرائه عن زميله عبدالحميد دشتي. وقد يقول قائل إنه يتكسب انتخابياً، كما يفعل غيره. وبالتالي، لا حق لنا في منعه من إبداء ما يشاء من آراء أو ما يتخذ من مواقف.
كما تابعت القضايا الحساسة والخطيرة التي كان يثيرها ويسهب في التطرق إليها، والتي كانت غالباً تنتهي إلى «ماميش»، أو لا شيء. ولكن قبوله بقيام وزير التربية بتعيينه رئيساً لجمعية الكشافة أكد شكوكي فيه، وصحة موقفي منه، وبمدى جديته كنائب. فقد يكون الوزير العيسى قد غطى نفسه دستورياً، وقانونياً، بتعيينه نائباً ومشرّعاً، يخضع هو وبقية الوزراء ورئيس الحكومة لمساءلته ومراقبته. وقد يكون الوزير معتمداً على سوابق تاريخية تم فيها تعيين نواب في مجلس الأمة رؤساء لجمعية الكشافة. بالتالي، فالعتاب أو «الشرهة» ليست عليه، بل على السيد النائب الذي قبل أن يكون مشرّعاً ومراقباً لأعمال الوزراء، وخاضعاً في الوقت نفسه لسلطة أحدهم، فهل يجوز ذلك؟
والآن ما هي «جمعية الكشافة الكويتية»، التي أوقع النائب، بقبول ترؤسها، نفسه والبلاد في تعقيد دستوري، وخلاف لائحي، كان وكنا في غنى عنهما؟
تأسست الجمعية في الكويت قبل ستين عاماً، وكان الكشاف يعني الكثير حينها، ولكن أهميته وجمعيته والحركة الكشفية بشكل عام تضاءلت مع تضاؤل الكثير من الأنشطة الاجتماعية الأخرى، وما حدث من تحولات في اهتمامات الشباب، خصوصاً أن الحكومة، ضمن مناهجها، لم تهتم كثيراً، ولا حتى قليلاً، بتنمية الشعور بأهمية العمل التطوعي، والعمل الكشفي عمل تطوعي أساساً، يقوم الكشاف به من دون مقابل. وبالتالي، من النادر أن نجد اليوم كشافاً في الأماكن العامة، بملابسه الزاهية وبأوسمته، وهو يقوم بتنظيم مسيرة أو يشرف على مناسبة، أو يشارك في أعمال إغاثة.
كما أن جمعية الكشافة في الكويت تعتبر شبه خارجة عن نطاق جمعيات النفع العام، بالرغم من طبيعتها، وذلك لكونها إدارة حكومية يقوم وزير التربية بتعيين وعزل مجلس إدارتها، ولا حول لمجلس ورئيس الجمعية ولا قوة بغير الوزير، فهم يأتمرون بأمره، ويقبلون سلطته عليهم.
وفي ضوء تضاؤل أهمية الجمعية، وكونها ليست من مؤسسات المجتمع المدني، وليست فيها أرصدة خيالية، وفي ظل الاضمحلال المستمر في أهميتها، فما السر وراء قبول السيد النائب بمهمة ترؤسها، وهو الذي يفترض أنه مشغول بقضايا مصيرية أكبر أهمية بكثير تتطلب كل وقته واهتمامه؟
يقول المثل إن «الذئب لا يهرول عبثاً»، فقد يكون وراء الأكمة ما وراءها، ونحن لا نرى إلا الظاهر، ولكن في جميع الأحوال، فإن هذه الحادثة تبين أن تدهور العمل البرلماني مستمر، والطريجي مثال آخر!