بين الكثير الكثير من الأوراق المهمة المتراكمة، مازلت احتفظ بالعديد من الأوراق الكفيلة إخراج الوطن من مأزقه وأزمته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا سيما تلك الأوراق التي تنطلق من قاعة نادي العروبة، هذا لو وضعت الجهات الرسمية تحديدًا (اعتبارًا) لأهمية ومضامين تلك الأوراق التي صاغتها عقول بحرينية.
بالطبع، في ظل الأوضاع المضطربة والمقلقة حولنا، ومع ازدياد تعقيدها ومخاطرها، ومن أجل عيون الوطن الغالي، نحن في أمس الحاجة إلى كسر وتجاوز كل الأقفال التي تمنع الوصول إلى رؤية تحفظ بلادنا وتفتح أمامنا مسار المستقبل الآمن، ولهذا، فإنني سأعود إلى ندوة :»الوحدة الوطنية والتفكير في بناء جديد» يوم (18 فبراير/ شباط 2014)، ففي تلك الندوة طُرحت ورقتان لمفكرين بحرينيين، هما المفكر علي محمد فخرو، وأستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة البحرين باقر النجار، يمكن اعتبارهما مرجعًا مهمًّا إذا ما كان في النية (حقيقةً) إنهاء وجع الوطن.
كل النقاط الحية التي تمثل خلاصة من المهم إدراكها من جانب كل الأطراف المعنية، فالديمقراطية هي الطريق الصحيح للخروج من الطائفية والاحتقان من خلال برلمان «حقيقي»، وقضاء مستقل موثوق بعدالته ونزاهته، وتحريم الدعوات العلنية لأية مقاطعة اقتصادية «طائفية»، وضبط التجنيس بحسب القانون وليس بحسب الانتماء الطائفي، علاوةً على المحاسبة القانونية لأي تجاوز طائفي في الخطاب الديني، ومواجهة التشظي والانفلات غير العادي للهويات الفرعية، ما يدفع إلى تقوية الاتجاه نحو هوية الوطن بوحدة وطنية.
الكثير من الدراسات تشير إلى أن هناك مجموعة من الأسباب – وبعضها يقترب من الحالة البحرينية بشكل أو بآخر – تؤثر على حالة الوحدة الوطنية، أو هي أسباب مهددة لحالة الوحدة الوطنية، ومن تلك الأسباب غياب أشكال متطورة من التشاركية السياسية، والنقطة الأخرى هي غياب أشكال أو تبني قنوات معينة يتم من خلالها التوزيع العادل للثروة والقوة في المجتمع، ذلك أن الكثير من المجتمعات تعاني مشكلات تصل إلى حد المعضلة بسبب توزيع القوة والثروة وفق أسباب: ذاتية، قبلية، مذهبية، طائفية ودينية، وما حدث في العقود الأخيرة هو بروز قوة غير عادية للإسلام السياسي الذي لم يطور خطابه في المنطقة العربية، وبقي حبيس الأطر المذهبية، وبالتالي يصبح الدين أو المذهب أو الطائفة بالنسبة إلى هذه القوى السياسية واحدًا من أهم آليات التحشيد السياسي والتسبب في إثارة النعرات المذهبية.
إن القوى المختلفة داخل المجتمع البحريني تعيش غياب أفق الحوار، والأكثر من ذلك أنها تعيش حالة من غياب إمكانية الوصول إلى توافقات معينة، وهذه التوافقات عادةً ما تتطلب من الأطراف المختلفة أن تقدم بعض التنازلات، ومن ضمن مجموعة المداخل لتجاوز تلك المعضلة، تعزيز التشاركية والديمقراطية وتفعيل قوانين الدولة، وتلك تتطلب ترسيخًا مجتمعيًّا يؤكد وينشر فكرة الحاجة إلى بناء جديد وراسخ ولا ينجح إلا بإعادة تأهيل الناس لقبول بعضهم بعضًا، وتأكيد الحاجة إلى التوافقات الوطنية لتجنيب المجتمع النزاعات والإقصاء والتهميش.
المفكران البحرينيان كانا وما زالا، كغيرهما من الأصوات البحرينية المخلصة من الطائفتين الكريمتين، يؤكدان أن الخروج من الاحتقان المذهبي والاجتماعي لن يتم إلا إذا تمكنّا من الخروج من الاحتقان السياسي، لكن ما هو الحل المتاح فعليًّا في أيدينا؟ والجواب كما طرحه المفكر فخرو هو أن مبادرة سمو ولي العهد، يجب أن «نمسك بها بكل أسناننا»، وأن ننتقل بها إلى مستويات جديدة فيها تحديث واستمرارية.