لم يكن مقرراً أن نلتقي بحسن الترابي، رحمه الله، الذي رحل عنا منذ أيام قليلة. كنت برفقة الأخ فيصل الجزاف في زيارة للخرطوم، تلبية لدعوة من جمعية الإخوة السودانية الكويتية، التي أسسها عدد من الإخوة السودانيين الذين كانوا يعيشون في الكويت قبل الاحتلال. وقد كان لهم مسعى للدفع بحل قضية الأسرى، استناداً إلى العلاقة الوثيقة التي كانت تربط بين الحكومة السودانية ونظام صدام حسين.
وبعد إجراء الاتصالات الأولية أكدوا علينا ضرورة زيارة الخرطوم، وهكذا كان، وقد استضافنا عنده في السفارة القائم بالأعمال الكويتي حينذاك محمد الصالح.
التقينا عدداً كبيراً من القيادات السياسية السودانية، والإعلامية، حتى جاءنا مَن نبَّهنا برسالة، بأننا نجتمع مع الأشخاص الخطأ، وأن من بيده القرار ليس الحكومة، بل مجموعة الترابي.
كان اللقاء الأول مع نائب الترابي إبراهيم السنوسي. كان الترابي حينها يعاني من اعتداء بالضرب بالكاراتيه من أحد المعارضين، تعرض له أثناء زيارته لكندا، وكان قد عاد للتو بعد رحلة علاج طويلة.
كانت شركة “الرواسي” الإسلامية التابعة للجماعة تسعى إلى كسر الحصار على العراق، بإرسال شحنة لحوم بطائرة إلى بغداد. بعد جلسة طويلة مع السنوسي، اختلفنا فيها كثيراً، وقبل خروجنا قلت له: “لا تعنيني المواقف السياسية كثيراً، فمهمتي هنا إنسانية، وما يعنيني هو أسرانا وكيف نسترجعهم، وأتمنى أن تساعدونا بذلك، كما أتمنى في المرة القادمة حين تذهب طائرة (الرواسي) باللحم الميت، أن تعود لنا باللحم الحي”. ابتسم وقال إنه صار مهتماً بالموضوع ووعدنا خيراً. وسيأتي اليوم ربما للحديث عن ملف الأسرى الشائك.
في زيارتنا الثانية سنة ١٩٩٢ التقينا حسن الترابي، وكان حديثنا مهماً، كان رجلاً سلساً، يغمس السياسة بالدين والعكس، دون أن تتلوث ثيابه البيضاء بأي منها، أو هكذا كان يظن. أكد لنا أن للكويت معزة خاصة عنده. سألته ولماذا كان موقفكم خذلاننا في وقت الحاجة؟ كان رده بأن مستلزمات التحولات التاريخية والاستراتيجية تتطلب منا أن نفعل ما لا نحب.
قلت له على أي حال لسنا هنا لنناقش ذلك، فالأمر شائك، وخاصة أنني أسير سابق وأخي فيصل أخوه جمال أسير حالي، فنحن هنا لنرى إن كنتم على استعداد لمساعدتنا في قضية الأسرى.
ومرة أخرى أكد لي أنه مهتم وسيسعى بكل ما لديه لفك الأسرى وعودتهم لأهلهم. بالطبع كان التجاوب فعلياً، فقد ذهبت رسالة من الرئيس السوداني بخصوص موضوع الأسرى، ولذلك حديث آخر.
أدركت حينها أن الحكم في السودان تنطبق عليه نظرية “الشكل والموضوع”، يعني هناك حكومة شكلية وحكومة فعلية يقودها حسن الترابي. وعندما التقيت بعض الأصدقاء السودانيين قلت لهم إن الوضع لن يستمر وإن الصدام بينهما سيحدث قريباً، وهكذا كان صداماً عنيفاً بين الأجنحة الإسلامية، وألقي الترابي بالسجن.
حقيقة الأمر أنه إن كان هناك دين في الحكم فقد كان قليلاً جداً، وكان فيه الكثير الكثير من السياسة، ربما ما هو في أسسه ومنطلقاته لا يمت للدين بأي صلة.