بعض الانتخابات ـــ البرلمانية على الأخص ـــ في العالم يبدأها البعض للتسلية التي تنتهي إلى حقيقة ماثلة يفوز بعدها المرشح بعد حصد الآلاف من الأصوات التي تؤهله للفوز بمقعد. لكن هذه النكتة ـــ دونالد ترامب ـــ تحدث في قوة عظمى أو شرطي العالم كأمريكا، وهذا موطن القلق والإثارة معا. فترامب كما ينظر إليه غالبا هو أشبه بالظاهرة التي تضفي على الجو الانتخابي نوعا من الإثارة التي تحرك الإعلام الأمريكي. فهل يتوقف الأمر عند حد الإثارة أم يتجاوزها إلى الواقع؟ ولا سيما أن الإعلام الأمريكي سجل هبوطا ملحوظا للسجال الرئاسي الأمريكي، من بين ذلك مناظرة ترامب الأخيرة مع المرشح ماركو روبيو.
في كل دورة، تتركز الأنظار نحو الانتخابات الأمريكية بقلق وترقب. والانتخابات الأمريكية تاريخية هذه المرة أكثر من أي وقت مضى. وقد سألت بعض الأصدقاء الأمريكيين عن سبب ترشيح الأمريكيين لدونالد ترامب على الرغم من شعبويته المبتذلة جدا فقال أحدهم “تذكري جون كينيدي ورونالد ريجان اللذين يلهمان العالم كقيادتين، تذكري مارتن لوثر كينج وفريد روجرز وبيب روث، أمريكا كانت عظيمة في القرن الـ 20. اقرأي في المقابل العناوين الأمريكية اليوم ماذا ترين؟ الحرب؟ الفقر؟ الانقسام السياسي؟ هل نرى عظمة لأمريكا في يومياتنا ولا حتى في الأفلام؟ عائلة ترامب هي الصورة التي يحلم بها بعض الأمريكيين، على أمل أن يقود أمريكا كما فعل ستيف جوبز في إدارة شركة أبل، في المقابل هناك من ينظر إلى ترامب كتسلية مع الفشار أو كما لو كانت مشاهدة مباراة لا يلعب فيها فريقه المفضل، وترامب يستميت للاستمرار من أجل هذا الشغب”. للمال دوره في الانتخابات الأمريكية وفي رفع أسهم المرشح على الساحة. الانتخابات الأمريكية نوع من الصراع الديمقراطي الناعم والشرس في آن بين الكيانات الاقتصادية الكبرى، فهل تسمح لشخصية مثل ترامب الوصول إلى البيت الأبيض؟ ولا سيما أن ذلك يتعارض مع مصالحها التي تتجاوز الحدود الأمريكية إلى العالم. ترامب -وربما أي شخصية شبيهة مكانه ـــ سيستفيد من المزاج الأمريكي الغاضب تجاه سياستي أوباما وبوش السابقتين.
قد يبدو الأمر فلسفيا أن نرى جدية تحول ترامب واقترابه أكثر من الواقع، حتى اللحظة على الأقل. هل لذلك علاقة بالمزاج العام؟ المزاج العام هو ظاهرة إنسانية أشبه بالموضة تتحرك مع الزمن، مثل الأزياء أو الاختراعات التي تأتي وتنتهي. وقد تعد مبالغة فلسفية أيضا أن نفسر أمورا مختلفة في نفسية بعض الشعب الأمريكي وربما يتجاوز الشعب الأمريكي إلى المزاج العالمي، والرغبة في خطاب جديد لاذع غير موارب. كل ذلك في ظل الارتباك العالمي السياسي والاقتصادي معا، وفي ظل التقدم التكنولوجي وتأثيره في مزاج الناس في شق آخر ربما. هو المزاج الذي لا بد أن تحكمه وتسيطر عليه القوانين، إلا أنه يبقى مترسبا في الذات لا يحتاج سوى إلى النفخ فيه تحت شعارات “قومية” حادة تتماشى والتطورات العالمية أو التقدم الزمني. القومية مفتاح جيد لتحريك الشعوب وإثارتها. هذه التفسيرات لا بد أن توضحها أكثر استطلاعات الرأي العام الأمريكي التي يمكن الاستناد إليها للتحليل. نتائج هذه الاستطلاعات في المحصلة قد تكون امتدادا لما يحدث في هذا العالم، ومن ردود أفعال تجاه ما يحدث وما يتعلق بالسياسة والاقتصاد والتكنولوجيا معا. الأوضاع العالمية الحالية تبرز دور القوة أو التأكيد على القوة كعامل مهم في المواجهات، بعد فترة عقود من الحروب العالمية العسكرية.