كانت الكويت، ولا تزال، دولة مختلفة عن محيطها، وإن تأخر تميزها مؤخرا، إلا أن رونقها الجميل لم يختف.، ولا تزال لهذا الوطن مسحته الرائعة وعزته وتفرده.
ما لا يعرفه الكثيرون أن الكويت بَنت تميزها منذ أوائل نشأتها، ووصل الأمر الى أوجه قبل أكثر من نصف القرن بقليل، في عهد الشيخ الكبير، عبدالله السالم، الذي قام، ضمن أمور كثيرة رائعة أخرى، بالتخلي عن حقه في ملكية امتياز النفط، وعائدات النفط الضخمة، وتحويل ذلك الحق للشعب الكويتي، بعد أن حدد لنفسه وأسرته الكريمة مخصصات متواضعة.
انفردت الكويت بذلك الوضع لسنوات، ولا تزال منفردة بجزء كبير منه، علما بأن نظم الامتياز، بين شركات النفط (التنقيب) الغربية، وبين حكام المنطقة، ومنها الكويت، ألغيت لاحقا مع تأميم تلك الدول لشركات النفط الأجنبية، منهية عقودا من الاستغلال.
***
في ديسمبر 1952 أجرت مجلة «ناشونال جيوغرافيك National Geographic» تحقيقا عن الكويت، تضمن حقائق كثيرة وصورا رائعة. وورد في تعليق تحت صورة للقيادة الكويتية في زيارة لميناء الأحمدي، بأن بإمكان الإمارة الصغيرة شحن 100 ألف برميل من النفط يوميا.
وورد تحت صورة معبرة أخرى للشيخ عبدالله المبارك، وكان رئيسا للأمن حينها، وهو يستمع، مع جمع غفير، الى محاضرة يلقيها أحد أساتذة مدرسة المباركية!
كان ذلك قبل 64 عاما، واليوم لو نظرنا لحالنا، ولحال أهم المؤشرات الدالة على كفاءة تصرفنا في عائدات الدولة من النفط، لوجدنا أن الحكومة لم توفق كثيرا في مجالي التربية والتعليم والتنمية البشرية. فقد سبقتنا في ذلك دول، كالأردن وعُمان، اللتين كانتا أقل منا قدرة مالية، وصرفتا على التعليم، قبل 64 عاما، ولا تزال قدراتهما على ما كانت عليه، مقارنة بما نمتلك وبما صرفنا من مليارات على التعليم، ومع هذا سبقتانا وغيرهما بأشواط عدة في ميادين عدة، ومنها التعليم، فكيف حدث ذلك؟!
الجواب بسيط! ففي مقابلة أجراها الزميل عادل بدوي مع السيد يعقوب الغنيم، وزير التربية السابق، ذكر أن الإخوان المسلمين «دخلوا» الوزارة بعد ان تركها هو! وهذا أول اعتراف من مسؤول سابق كبير بأنه كان هناك «دخول»، وأنه كان مخططا له، ولسوء نتائجها، حاول الوزير السابق التبرؤ منها.
ولا شك أن الانحدار في الوضع العام بدأ مع تسلم الإخوان والسلف لمقدرات الدولة، ونجاحهم في الانتخابات النيابية دورة بعد أخرى ما مكنهم من تحويل الكويت، المدنية شبه العلمانية، الى دولة ثيوقراطية دينية. كما تمت تهيئة تلك المرحلة للسرقات الضخمة التي أتت تاليا، والتي كان للمتخفين خلف لحاهم النصيب الأكبر منها.
إن تسلم الإخوان لمقاليد التربية غيّر من كيان الدولة، وامتد أثره ليشمل الاقتصاد، مع انغلاق الدولة والأخلاق، مع انحدار وضع المرأة في المجتمع، وسيطرة الخزعبلات على الكثيرين، وانتشار الدور والمعاهد الدينية على حساب العلوم التجريبية والعصرية.