ما شاء الله. المصائب والأخبار “بالهبل”، والأحداث التي تستحق التعليق “الخمطة منها بربع”. زادت ورخصت أثمانها. والكتّاب طوائف وقبائل، منها قبيلة المحللين، وهي قبيلة ثقيلة دم، تنقسم إلى أفخاذ، فخذ التحليل السياسي، والعياذ بالله، وفخذ التحليل الاقتصادي، نسأل الله العافية. وعلى البئر المجاورة تقطن قبيلة المفكرين السياسيين، وهي قبيلة تعتمد على الشعوذة والتبصير وقراءة المستقبل و”افرش منديلك”. وهناك في أقصى الواحة توجد قبيلة المصلحين الاجتماعيين، وهي قبيلة تضم العجزة والمسنين، فكراً لا عمراً، فلا تشرب السيجارة أمام أطفالك، ولا تقد سيارتك وأنت غاضب من زوجتك. وقبائل أخرى تنتشر في رياض الصحافة وأفياضها، لعل أبرزها قبيلة المعلقين على الأحداث، وهي القبيلة التي ينتمي إليها الكاتبجي، حضرتنا، يقتدي أفرادها بالصياع والمتسكعين وأهل الغزل، الذين يتربصون بالصبايا على رأس الشارع، فيعلق الواحد منهم على جمال هذه، ويسبل عينيه لتلك، ويحك رأسه بغضب لبشاعة الثالثة، ويهذب صوته أمام الرابعة؛ آه يا قمر، آه يا بركان…
كذلك يفعل الكاتب منا، نحن أبناء قبيلة المعلقين، يجلس على رأس الشارع ويتابع الحوادث والأحداث، ويعلق: آه يا قمر، وآه يا بركان. والأحداث كئيبة، والحوادث محزنة، وكلها تتنافس على البشاعة، ليس منها ما يستحق كلمات الغزل والآهات.
فهذا عبدالحميد دشتي يطلق النار عشوائياً على بيوت الجيران. وهذا بشار يتفنن في ذبح شعبه وحرقهم. وهذا توفيق عكاشة، أمير قبيلة أراجوزات الإعلام، تنفيه المدينة فإذا هو مشرد، ثم لا تتركه في سبيله، وتقرر ربطه في زريبة البقر إلى أن تنظر في أمره، وأمره محسوم، ومستقبله معلوم، إذ سيتعلم الكتابة على الجدران، والالتصاق بالقضبان، وتذكّر الأهل والخلان، وأيام المجد والطغيان، وقد يموت في السجن بسكتة قلبية، وقد يموت بذبحة صدرية.
وهنا خبر عن رفع أسعار الكهرباء على المواطنين، وهناك خبر عن تخفيض مخصصات المرضى، وخبر عن خصخصة الجمعيات التعاونية، وغيرها من الأخبار التي تقطع الخلف وتجلب التلف، ولا يجرؤ صايع على معاكستها، ولا شاعر على مغازلتها.
على أن زيادة الأخبار نقص، وكثرة الآلام تسبب المغص. ورحم الله فقيد الأدب والثقافة والأخلاق والصدق، العراقي الناصع زهير الدجيلي. وتعازينا لمحبيه وللحرف والكلمة، ولشريكة حياته وآماله وخيباته ونجاحاته وفترات سجنه، أم علي، وتعازينا لأبنائهما.