هناك “إيرانان”، وليست إيران واحدة، هكذا وصفها وزير الخارجية السابق الشيخ محمد الصباح، بالمناسبة وللتذكير هو الوزير الذي خرج من الوزارة بعد فضيحة التحويلات المالية، ورفضه المشاركة في “الطمطمة عليها”. في موضوع الجمهورية الإيرانية هناك إيران المتشددة يمثلها، على سبيل المثال، الحرس الثوري (الباسيج) والجهاز القضائي وقوى متشابكة معقدة قي مكتب المرشد الأعلى، وفي معظم الإدارات السياسية بالدولة، وتلك الجماعات تصف نفسها بأنهم “أصحاب المبادئ” (الإيكونومست العدد الأخير)، ويدعون لسياسة التشدد بالخارج بتأييد أحزاب الله ودعم الجماعات المتشددة المنطوين تحت لوائهم، وفي الداخل قمعوا بشدة ثورة 2009 الشبابية بطهران، وقبل ذلك أحبطوا كل محاولات الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، وتم تهميشه إعلامياً فيما بعد.
هناك إيران الإصلاحيين… الذين عادوا للظهور بعد الانتخابات الأخيرة، وحقق رفسنجاني، ويوصف بأنه براغماتي (الفلسفة العملية)، كأكثر دقة من وصف إصلاحي، ومعه رئيس الجمهورية روحاني انتصارات في الانتخابات… وبفضلهم وبدعم من مكتب المرشد الأعلى الذي يوازن بين الجماعتين ويغلب واحدة على الأخرى حسب الظروف، استطاعوا إخراج إيران من دائرة العقوبات الدولية بعد إنهاء المشروع النووي، ويتوقع الكثيرون في إيران عالماً اقتصادياً منفتحاً وبحبوحة مالية قادمة رغم تدهور أسعار النفط.
طبعاً، هناك من يرى أنه لا يوجد حقيقة إصلاحيون ومتشددون، وتوقع البعض ظهور غورباتشوف إيراني مجرد وهم، فلا يوجد في إيران غير قوى متصلبة تغير صورتها حسب المتطلبات الدولية وهذه تمسك بمفاصل الدولة الحساسة. ربما هناك بعض الصحة لهؤلاء، ولكن ليس كل الصحة، فإيران تتغير، ومشهد آلاف الشباب من الجنسين ينتظرون الإدلاء بأصواتهم بصبر رغم منخل فرز المرشحين، هو منظر جميل غائب عن معظم دولنا، والسؤال كيف يمكن أن نفهم وتستفيد دول المنطقة من التغيرات، التي تحدث في إيران، مهما كانت بسيطة الآن؟!
يمكن أن نعاند وننفخ على لهيب الطائفية التي تنتشر الآن كالنار في الهشيم بالمنطقة، ونحمل على أكتافنا عقداً كبيرة من بقايا موقعة صفين، ونرفع شعارات عنتريات الحرب، وكأننا دول عظمى، متناسين تدهورنا الاقتصادي، وتلج المنطقة بفتن طائفية لا تنتهي لتلد لنا آلاف الدواعش وخلايا الإرهاب لتتقسم المنطقة بأكثر من تقسيم العراق وسورية، وإما أن نتعقل ونتذكر مقولة “رحم الله امرأ عرف قدر نفسه”، ونشرع في سياسة الحوار مع إيران بقيادتها “المنفتحة نوعاً ما”، وإيجاد صيغة مشتركة لحقن الدماء في سورية واليمن وتفويت الفرصة على الغلاة المتصلبين في الجانبين… فأين العقلاء؟!