بدعوة كريمة من تجمع الشباب الوطني، وهو ظهور جديد على الساحة العامة يضم كوكبة من الكويتيين من مختلف المشارف والأطياف المجتمعية، شاركت في ندوته بعنوان “مواجهة الفساد”، وذلك من منطلقين أساسيين أولهما أن الفساد من العوامل الرئيسة، إن لم يكن الأوحد في قصم ظهر البلاد والعباد، ومواجهته واجب شرعي ووطني وأخلاقي، والثاني هو دعم هذا التجمع الشبابي وجهوده ومبادرته في استعادة القضايا الوطنية ودفعها إلى الواجهة من جديد بعد سبات طويل للكثير من القوى والتيارات السياسية والجمعيات المتخصصة ومؤسسات المجتمع المدني.
محاربة أو مقارعة الفساد تأتي في إطار هذه الثنائية، فالفساد شر متأصل إما جينياً أو بالاكتساب أو في البيئة الملوثة والفاقدة للحساب وتطبيق العدالة، ولا يردعه سوى الوازع الذاتي أو العقوبة المستحقة، ولذلك حتى في أكثر الدول والمجتمعات التي تصل إلى المثالية تبقى هناك صور وأمثلة من الفساد الذي لا يمكن أن يستأصل من جذوره إلى حد العدم.
لذلك فإن المواجهة مطلوبة دائماً ضد هذه الآفة، وهذه المواجهة تستدعي وجود بيئة حاضنة وراعية لهذه المسؤولية لخلق منظومة موحدة ضد الفساد والمفسدين، والرأي العام المستنير والمراقب أحد صمامات الأمان المهمة، وتجربتنا في الكويت تؤكد أن صور الفساد يضرب فيها المثل من حيث حجمه واتساع دائرته والجرأة في ممارسته، حتى في ظل المؤسسات القانونية والجهات الرقابية ووجود الجهات العقابية، فما بالك وهذه المؤسسات قد تراخت وابتعد الرأي العام عن بوصلة محاربة الفساد إما يأساً أو تقصيراً أو لانشغال الرأي العام نفسه أو إشغاله بقضايا أخرى لصرف النظر عن ملفات الفساد ورموزه.
الكويت تعيش جملة من الأزمات السياسية والمجتمعية التي انعكست بمجملها على حالة من الشلل الفكري والتوعوي وحتى العملي، فالمقاطعة الواسعة للحياة السياسية لا سيما من رموز العمل الوطني والأشداء في محاربة الفساد أفرزت مؤسسات غاية في الضعف والهوان، ومنها السلطة التشريعية التي لا يمكن حتى أن نتخيلها خصماً للفساد وبؤره، ومن جهة أخرى فإن أجواء الاحتقان، خصوصاً الطائفية الرائجة في هذه المرحلة، قد استقطبت الكثير من التيارات والمكونات حتى الأفراد بعيداً عن القضايا الوطنية الجامعة وعلى رأسها الفساد، لدرجة أن الانحياز الطائفي قد يشكل غطاءً حامياً في بعض الأحيان لتجاوزات ومخالفات المسؤولين عنها، حتى بات التطرق إلى الفساد ورموزه يشكل عبئاً محرجاً، في حين تنشط سياسة ليّ الذراع في تثبيط الهمم إما من باب الفزعة أو الاستهزاء والسخرية عبر تبريرات أن هناك مشاكل أهم وأخطر في سلم الأولويات الراهنة!
لذلك فإن بروز مجاميع شبابية جديدة تملك الشجاعة أولاً لكسر الاصطفاف الطائفي، وثانياً لطرح القضايا الساخنة والمهمة كالفساد يعدّ بارقة أمل جميلة وواعدة نتمنى لها الخير، وننتظر أن تكون لبنة شرسة وشوكة صامدة في خاصرة من يضمر الشر لبلدنا عبر بوابة الفساد أياً كان وأينما ادّعى انتماءه، ومهما بلغت سلطات مسؤولياته!