وإن رآه البعض قرارا متأخرا نوعا ما، إلا أنه جاء في اللحظة الفارقة: تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، بقرار متفق عليه من دول مجلس التعاون وبإعلان من مجلس وزراء الداخلية العرب. التصنيف يشمل جميع القادة والفصائل والتنظيمات التابعة للحزب والمنبثقة عنه. يرتكز تأسيس حزب الله على عقيدة مقاومة إسرائيل، إلا أن الحزب تجاوز جغرافيته إلى حروب إقليمية إضافة للتجنيد في دول عربية وخليجية للقيام بأعمال إرهابية، وتهريب الأسلحة والمتفجرات والتحريض على العنف. هذا يعني أن الأصولية والتطرف والإرهاب مسألة واحدة في أي رداء وتحت أي ذريعة، ومن ذلك الحشد الشعبي الذي أسسته إيران في العراق بينما فرقه تجاوزت جغرافية العراق حتى سورية واليمن.
ظهر حسن نصر الله في خطاب أخير مرة أخرى مملوءا بالتخبط والمفارقات والتناقضات، وبلغة عدائية صريحة. يقول نصر الله إن هناك دولا مستعدة أن تساعد لبنان دون سياسة “تربيح الجميلة”، في إشارة إلى وقف السعودية هبة المليارات لدعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. في العرف السياسي الدولي، حين تقدم الدول مساعداتها للدول الأخرى تحت أي بند فهي على الأقل لا تنتظر سياسية عدائية تجاهها وتجاه مصالحها في المقابل. ولا أعلم حقيقة عن هذه الدول التي يشير إليها. وهل ما يقوم به نصر الله من “تربيح الجميلة” الإيراني يقع ضمن ذلك أم لا؟ لا سيما أن الدعم الإيراني يصب في خانة دعم الميليشيا لا الدولة. وأي “جميلة” قدمتها إيران؟ وماذا كان المقابل؟ هل هي إلغاء الدولة اللبنانية بالتبعية لإيران وسيطرة الميليشيا على قرار الجيش في لبنان، كل ذلك من منفذ عقدي أيديولوجي سياسي مؤطر بـ “ولاية الفقيه” الإيراني، أم في دعم الإرهاب، أم تعميق الشق الطائفي في المنطقة، أم دعم النظام السوري في قتل الشعب وتهجيره، لفرض سياسات إيران التوسعية في البلدان العربية؟
المفارقة أن نصر الله كان ينكر مشاركة عناصر الحزب في حرب سورية حتى حين، مدعيا أن ذلك دعاية من العدو. إلا أن الأمر اختلف تماما حين ازداد عدد الصناديق الصفراء التي تحمل جثث مقاتلي الحزب من الأراضي السورية إلى لبنان، وتحول الأمر إلى تفاخر علني! وفقا لمصادر إخبارية لبنانية وفارسية، عاد 865 مقاتلا من بينهم قياديون وضباط قتلى في صناديق، ومن المرجح أن يكون العدد الفعلي أعلى من ذلك. في مقابلة أخيرة له على قناة mtv اللبنانية، قال صبحي الطفيلي أمين حزب الله المؤسس السابق الذي أقصي بعد رفضه التبعية لإيران “يتذرع نصر الله بإسرائيل ناسيا أن المستفيد الأكبر من النزاع هو إسرائيل على أية حال. المصالح السياسية المستترة بشعارات وأيديولوجيات دينية، تبرر العدوان على الأخ عبر تأويلات خاطئة لمعاني النصوص المقدسة. الشيعة في سورية ليسوا في حاجة إلى من يدافع عنهم ولكنهم باتوا في خطر اليوم لأننا ورطناهم. عندما تكون الدولة حاضرة لسنا في حاجة إلى السلاح أو الطائفة لحماية الذات”.
لا شك أن القرارات المتتابعة الأخيرة هي انعكاس للاستراتيجية السعودية الحاسمة. وارتدادات هذا القرار ستكون جزءا من مرحلة سياسية مفصلية قادمة في المنطقة. فإذا كانت مناورات “رعد الشمال” بقيادة السعودية التي انطلقت أخيرا بتحالف إسلامي ضخم هي لمواجهة الإرهاب، فهذا يعني أن حزب الله مدرج من بينها. لا شك أن اللبنانيين بمختلف طوائفهم قلقون من تأثير ذلك في الوضع الداخلي وتداعيات ذلك في فرض حرب أهلية جديدة، فحزب الله في النهاية قوة عسكرية مسيطرة في لبنان، وهو قلق مبرر على أية حال. إلا أن انحسار الحزب قد يكون نتيجة افتراضية قادمة تفرضها طبيعة التغيرات في المنطقة سياسيا وعسكريا.