بعد قرار حكماء الحكومة والمجلس الشروع في الإصلاح الاقتصادي بسياسة الكوبونات لاستهلاك البنزين من ناحية، ومن ناحية أخرى بترشيد إنفاق العلاج بالخارج برفع سن العقم للمرأة التي تستحق العلاج بالخارج من 42 إلى 43 سنة! تذكرت قصة يوسف إدريس “المرتبة المقعرة” بعبثيتها وإبداع كاتبها، وفيها يذكر أفضل كاتب قصة عربية قصيرة أنه: في ليلة “الدخلة” و”المرتبة” جديدة وعالية ومنفوشة، رقد فوقها بجسده الفارع الضخم، واستراح إلى نعومتها وفخامتها، وقال لزوجته التي كانت واقفة، إذ ذاك بجوار النافذة. انظري… هل تغيرت الدنيا؟ ونظرت الزوجة من النافذة ثم قالت: لا… لم تتغير. فلأنم يوماً إذن. ونام أسبوعاً، وحين صحا كان جسده قد غور قليلاً في المرتبة. فرمق زوجته وقال: انظري… هل تغيرت الدنيا؟ فنظرت الزوجة من النافذة ثم قالت: لا… لم تتغير. فلأنم أسبوعاً إذن. ونام عاماً، وحين صحا كانت الحفرة التي حفرها جسده في المرتبة قد عمقت أكثر، فقال لزوجته: انظري… هل تغيرت الدنيا؟ فنظرت الزوجة من النافذة ثم قالت: لا… لم تتغير. فلأنم شهراً إذن. ونام خمس سنوات، وحين صحا كان جسده قد غور في المرتبة أكثر، وقال كالعادة لزوجته: انظري… هل تغيرت الدنيا؟ فنظرت الزوجة من النافذة ثم قالت: لا… لم تتغير. فلأنم عاماً إذن. ونام عشرة أعوام، كانت المرتبة قد صنعت لجسده أخدوداً عميقاً، وكان قد مات وسحبوا الملاءة فوقه فاستوى سطحها بلا أي انبعاج، وحملوه بالمرتبة التي تحولت إلى لحد وألقوه من النافذة إلى أرض الشارع الصلبة. حينذاك وبعد أن شاهدت سقوط المرتبة اللحد حتى مستقرها الأخير، نظرت الزوجة من النافذة وأدارت بصرها في الفضاء وقالت: يا إلهي! لقد تغيرت الدنيا.
فهل تغيرت الدنيا على الحكومة والمجلس بعد أن هوت أسعار النفط إلى حدود العشرين دولاراً، ونامت السلطة بحكومتها ومجلسها أكثر من عامين؟ وقبل عقدين وثلاثة أو أربعة عقود (اختاروا الزمن الذي يناسبكم) هل تغيرت الحكومة بعد حفلات فضائح التجاوزات والفساد واستغلال النفوذ وغيرها من كلمات تزدحم بها قواميس الفساد السياسي والفشل الإداري؟ وقبل ثلاث أو أربع سنوات، وليس بالمهم أن تتذكروا التاريخ تحديداً فهو لا يتغير أبداً بدولة “ترى احنا ما نتغير ويا رب لا تغير علينا”، هل تغيرت الحكومة وهل تغير علينا أمر ما؟ وبعد مئات الدراسات والآراء المتخصصة عن معضلة الاقتصاد الريعي والاعتماد المطلق على مصدر وحيد للدخل وتزاوج هذا مع نهج الشعبويات، وسياسة الاسترضاءات لصرف نظر الناس عن الهدر والفساد الرسميين وتغييب وعيهم عن تحديات المستقبل، لنسأل أنفسنا هل تغيرت الدنيا…؟
الدنيا تغيرت، والزوجة الواقفة بجوار النافذة ماتت وهي تنظر للخارج وتنتظر لتتغير الدنيا قبل زوجها الذي انتقل من دنيا الأحلام لعالم الموتى من دون بشارة التغيير… وانتهت القصة… وما زلنا هنا لا نعرف أنها انتهت منذ زمن بعيد.