مظاهر الاحتفال بالأعياد الوطنية متعددة، ورأينا خلال الأيام الماضية صوراً كثيرة من التعبير عن الفرح والبهجة كل على طريقته الخاصة، وبالإضافة إلى الفعاليات العامة والرسمية وأجواء الزينة على المؤسسات الرسمية والمرافق العامة، شاهد الجميع ابتكارات الكويتيين كأفراد للاحتفال بالعيد الوطني وعيد التحرير سواءً على أسطح منازلهم أو سياراتهم أو حتى تلك الألوان الجميلة على وجوه الأطفال وملابسهم، والشركات الخاصة بدورها تتفنن في تزيين مبانيها أو إصدار لوحة فنية أو تدشين أغنية وطنية جديدة.
بعض المواطنين نقلوا أعيادهم الوطنية معهم عبر العالم من خلال رفع علم الكويت على قمة جبل هملايا أو في المناطق الوعرة والمخيفة والنائية أو عبر طائرات شراعية أو على القوارب البحرية، وقد تطول القائمة في ذكر بقية أشكال ولوحات الاحتفال الوطني.
ما نستخلصه من هذه الطقوس الوطنية هو أننا قد نختلف في طرق التعبير عن الفرح وأنماط محبتنا لبلدنا إلا أن الهدف واحد والنهاية فيها أننا مواطنون، والكويت بلدنا جميعاً نتفق ونشترك في عشقها والانتماء إليها، وإن اختلفنا في ترجمة هذا الحب كل بطريقته الخاصة، ووفقاً لإمكاناته وقدراته المادية والمعنوية وبما تعكسه عفويته وتلقائيته.
متابعة هذا المشهد الجميل يستوقفك عند محطة السياسة، حيث تنقلب الأمور رأساً على عقب، فنجد صور الاحتقان الطائفي والعرقي، ونجد التهم المتبادلة في الخيانة والولاء، ونجد المصطلحات القبيحة والمشينة، ونجد الاستهزاء والاستهجان، ونجد التحريض والتعبئة الإعلامية والنفسية، ونجد التعصب واحتكار الوطنية، وكل ذلك نجده كردود فعل على مقال أو تغريدة أو موقف سياسي أو أطروحة وطنية أو انتقاد لجهة أو مسؤول أو حتى تيار، وإن جاء بالحجة والدليل وفي سياق موضوعي.
التعددية في حب الوطن والحرص عليها يفترض أن تكون مصدراً للإثراء الوطني إلى جانب أنها حق مشروع في إبداء الرأي والتعبير عن الذات ووفقاً لتباين أنماط التفكير والأولويات، وليس سبباً في التشكيك والتخوين والضرب تحت الحزام.
لماذا لا تنتقل صور التعبير عن الفرح في مناسباتنا الوطنية المختلفة والمتعددة إلى تعددية متسامحة ومقبولة، أو على أقل تقدير تعددية محترمة عند الآخرين، في الفكر والطرح والنقد حتى في التنافس على الساحة السياسية، انطلاقاً من قاعدة واحدة هي: أن هذا البلد للجميع رغماً عن أنف الجميع، الحقوق فيه متساوية والواجبات فيه متكافئة وأبواب التعبير عن الذات فيه مفتوحة بعدالة، وفرص العطاء والبناء فيه ممكنة للكل، فلا أحد قيّم على الآخرين، ولا يملك أي طرف كائناً من كان أن يمنح صك الوطنية والولاء لنفسه أو للآخرين، وأن ميزان الحق والعدالة والقانون هو الحكم والمرجع والفيصل، وكفى الدجل السياسي والنفاق المتاجر بلأوهام حتى تكون أيامنا كلها أعياداً وطنية!