انقضت ٢٥ عاماً على تحرير الكويت من الغزو البعثي العبثي، ومازالت أجواء الحروب والمدافع والبارود تشعل الفضاء.
عندما تحررت الكويت، وبقدر مرارة التجربة وقسوتها، كنا نتوقع عمقاً للدرس، وأن تدرك السلطة أن حصنها المنيع هو شعبها الذي تمسك بها حين الأزمة. كانت المؤشرات في بداياتها توحي بأن حالة التعافي تتحرك، فتم إعلان موعد الانتخابات في أكتوبر ١٩٩٢، وتم رفع الأحكام العرفية خلال ٤ أشهر فقط، وهي حالة نادرة عالمياً تحسب للعودة إلى الوضع الطبيعي المتوازن. وفي خطوة تعكس مرونة وفهماً حصيفاً لطبيعة المرحلة، أعلن الحاكم العرفي الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، تخفيض أحكام الإعدام التي صدرت إلى المؤبد، وتحويل جميع القضايا المستمرة إلى محكمة أمن الدولة التي تمت معالجة الاختلالات الحقوقية فيها لاحقاً، كذلك ألغيت الرقابة المسبقة على الصحافة، وتم إغلاق الصحيفتين الحكوميتين، صوت الكويت والفجر الجديد.
كانت الخطى توحي بأننا في طريقنا لتعلُّم الدرس، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهيه السفن؛ فتمت الدعوة إلى المجلس الوطني، أحد أبرز معالم ومؤسسات الانفراد بالسلطة قبل الغزو. وما إن بدأ مجلس الأمة جلساته، وكان جله من “معارضة ديوانيات الاثنين”، حتى قفزت الحكومة إلى الأمام واختارت أكبر عدد من الوزراء من بين النواب المنتخبين. وفي المقابل خاضت الحكومة معركة شعواء ضد تشكيل لجنة تحقيق في الغزو، ونجحت في تحويل اللجنة إلى “تقصي حقائق”. ومع أن اللجنة قامت بعملها على أحسن وجه، إلا أن المأساة أن التقرير الذي يشرح للناس ما جرى، وكيف حدث الغزو، مازال سرياً، وأعني هنا أنه لا توجد صيغة رسمية معلنة لتقرير تقصي الحقائق، باستثناء أجزاء هنا أو هناك تجدها على النت. وعبثاً حاولت مع نواب ووزراء نشر التقرير، بما في ذلك المجلس المبطل الأول، ولكن دون جدوى.
وهكذا خسرنا معركة الشفافية، وهي محور ارتكاز للدول المستقرة الآمنة. وربما جاءت مؤخراً عكس التيار الخطوة المتقدمة التي قام بها ديوان المحاسبة بنشره تقريره السنوي على موقعه الإلكتروني ليكون متاحاً لكل الناس، ولا يتم تركه لانتقاءات الصحف أو النواب أو الوزراء. وعسى أن يكون تصرف ديوان المحاسبة مثلاً يحتذى لبقية أجهزة الدولة بقطاعاتها المختلفة، وهو اتجاه نرجو أن يستمر وأن يتعزز من كل الأجهزة الرسمية التي تخفي معلومات لا يحق لها أن تخفيها، فحق الحصول على المعلومة العامة جزء أصيل في بناء المجتمع الديمقراطي. الخطوة متأخرة ولكنها محمودة فأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً.