درّسونا وتعلمنا من أهالينا أن نكون مسلمين، فأدينا الصلوات، بعد أن عرفنا مواقيتها وطريقة أدائها، وصمنا رمضان والتزمنا به. وعندما كبرنا، علّمونا أن نُخرج الزكاة مما نكسب، وأن نسعى إلى حج البيت، كما تعلمنا السيرة واحترام الصحابة وتوقير نساء بيت النبوة، واتباع الفتاوى، ومساعدة الفقير، وإطعام ابن السبيل، وإيواء المحتاج، وغير ذلك من دروس، ولكن من الواضح أن جميع هذه الدروس الدينية لم تجعل من مسلمي الكويت، على الأقل، أفضل من غيرهم، لاسيما في ما يتعلّق بالأخلاق، وبطريقة التعامل مع الغير.
فزيارة واحدة لمناطق مخيمات الربيع، بعد انتهاء الموسم، يمكن أن تعطينا فكرة عن مفهومنا كمسلمين عن النظافة والبيئة، وحق الغير فيها. وربما لا يلام مرتادو البر على ذلك، فهي ليست من ثقافتهم، ولم تدرّس لهم.
ولو قمنا بجولة في مناطق السكن، التي كانت نموذجية، لوجدنا مثلاً أن عشرات آلاف المواطنين «غشوا» الدولة والمجتمع، بقيامهم فور إيصال التيار لمساكنهم الخاصة (الفيلا) بالتلاعب في مواصفاتها، وتحويلها لتصبح مجموعة شقق تؤجر على الغير، ولتكتظ شوارع المنطقة السكنية بسيارات لا مواقف لها، وحركة مرور ومجار لا تتحمل عبء كل قاطني المنطقة، ولكن الجميع يهرعون إلى المساجد فور رفع الأذان، من دون أن تحاسبهم أنفسهم على تلاعبهم بقوانين البلاد.
كما أنه من الصعب على الكثيرين الربط أو فهم التناقض بين قيامنا بأداء واجباتنا الدينية، ورفضنا الإبلاغ عن وفيات الأسرة والاستمرار في قبض الإعانة عنهم، أو الطلب من طبيب لا ضمير له شهادة بوجود إعاقة لدى أحد أبنائنا ليكون لنا الحق في قبض إعانته من الشؤون.
نعم، الأغلبية ملتزمة دينياً، والمساجد تمتلئ بالمصلين، والتفاخر بالقيام بالحج في أوجه، ولكن قلة فقط تكترث بأين توقف مركبتها، قبل أو بعد أو أثناء الصلاة، فما علاقة المرور بالصلاة؟
كما أن الذي حج خمس مرات لا يرى سوءاً مثلاً في الاستعانة بنواب «الخدمات» لقضاء حوائجه، والتوسط لرفع علامات ابنه الكسول، وإسقاط مخالفات المرور عن السائق، فجميع هذه الأمور لا علاقة لها بعباداتنا. كما أن النائب، بنفس القدر، لا يشعر بأن ما يقوم به غير أخلاقي، فهو يفرّج كربة مواطن، ويساعد غيره، ولا يرى ضرر ذلك لا على الوطن ولا على بقية المواطنين، فعندما يرفع الأذان يحرص على أن يكون في الصفوف الأمامية.
هذا الانفصال التام لدى الكثيرين بين الواجبات الدينية ومتطلبات المعيشة ولجوء البعض للغش وارتكاب المخالفات هو نتيجة طبيعية لفشل التعليم الديني، الذي خصص له الوقت الأكبر مقارنة بالمواد الأخرى. نعم، لقد فشلت وزارة التربية، على مدى نصف القرن الأخير، في أن تجعل من الكويتي العادي، الذي يمارس طقوسه الدينية بطريقة تقليدية، مواطناً صالحاً. ولا يجب هنا الاكتفاء بتحميل الحكومة المسؤولية وأنها التي عقّدت المعاملات، فاضطر المواطن إلى اللجوء للنائب، فالكثير من تصرفات المواطنين اللاأخلاقية لا علاقة للحكومة بها، كمخالفات المرور، وقلة الأدب في التعامل مع المقيم، وتقسيم الفلل لشقق، وغير ذلك الكثير.
نعم، نحن بحاجة أكبر لأن ندرس القيم والأخلاق، من أن ندرس أي مواد أخرى.