دلالات ومؤشرات الانتخابية التكميلية في الدائرة الثالثة تعكس الحالة السياسية الراهنة التي خطفتها أجواء الاحتقان الطائفي بامتياز، ولعل مما ساعد على ذلك المزيج المركب لمختلف الشرائح المجتمعية في البعد المذهبي والعرقي في هذه الدائرة إضافة إلى النظام الانتخابي القائم على الصوت الواحد، وأخيراً أن المنافسة كانت على مقعد واحد فقط.
الطائفية مرض فكري وعقدة نفسية وسلوك منحرف في ظل الدولة المدنية وسيادة القانون ومبادئ التعايش السلمي، والكويت تعيش منذ الاستقلال إلى اليوم حالة صراع وتقاطع وتناقض ما بين الهوية الوطنية ومتطلباتها ومستلزماتها من جهة، والهوية الفئوية الضيقة وشعاراتها ومصالحها وأولوياتها من جهة أخرى، وهذا الصراع عادة ما يخضع للظروف وتداعيات الأحداث التي قد تفرض قضايا وطنية جامعة تارة أو تتأثر بالأجواء الملبدة والمريضة التي تجعل من الطرح الفئوي الأجندة والبرنامج والخطاب وأخيراً السلوك تارة أخرى.
يبدو ومن خلال مؤشرات الانتخابية التكميلية أن الغلبة في الوضع السائد للتنافس وربما التناحر الطائفي، فعدد المشاركين في التصويت لم يتجاوز 30% من الهيئة الناخبة في الدائرة، وهي نسبة تمثل نصف الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة لمجلس الأمة التي بلغت 60%، وفي ذلك دلالة على أن الأغلبية الصامتة أخذت موقفاً سلبياً من هذه الانتخابات، إما بسبب حالة الإحباط واليأس من الأوضاع العامة وفقدان الأمل في خطوات حقيقية للإصلاح، أو لعدم انجذابهم لأطروحات وقضايا تمس الهموم الحقيقية للمواطن والفترة العصيبة التي تنتظرها الكويت، خصوصا مع استمرار تراجع قيمة النفط وهيمنة الفساد الإداري والمالي واستفراد الحكومة بالقرار السياسي والمستقبلي على حساب مجلس صوري لا حول له ولا قوة.
من الخطورة بمكان أن تكون المشاعر الطائفية وطغيانها سيديّ الموقف ونحن أمام أيام قادمة حبلى بمزيد من العنف والانقسام والتهديد المباشر لوجود أصل الدولة أو بروز ظاهرة الدول الفاشلة في الإقليم الذي يحاصرنا جغرافياً وسياسياً وفكرياً، والتي تبقى نتيجتها الوحيدة الانقسام والاقتتال الداخلي، وكنا نتمنى أن يكون الدرس الأول والأهم للمرشحين وتياراتهم وقواعدهم الانتخابية هو الاستفادة من تجربة السنوات الخمس الماضية، حيث استمر بعض الكويتيين في مناكفة بعض، وتحرش بعضهم ببعض، والتحريض والتأليب على بعضهم بعضا، وفرض الحواجز النفسية والاصطفاف الأعمى على جانبي الجبهة الوطنية الداخلية، على الرغم من أن موس التقشف سوف يمرر على رؤوسهم جميعاً، وأن يد الحكومة ستمتد إلى جيوب الكل، والأغرب من ذلك تذمر الجميع من هذا الوضع دون أن ينعكس ذلك بجدية على سلوكهم الاجتماعي والسياسي في مواجهة هذا الواقع الخطير.
الانتخابات التكميلية لم تكن سوى إجراء عملي لسد فراغ دستوري، والنتيجة قد لا تضيف شيئاً على مضمون المجلس أو عمله، ولكنها مؤشر سيئ لما قد تحمله الانتخابات النيابة العامة بعد سنة ونيف ونحن نعيش هذا الجو المكهرب والمريض!